هل استخدام أطفالنا لمواقع التواصل الاجتماعي يجعل غير سعداء – أم لا؟ تستحق هذه القضية منا نظرة جادة متعمقة حول كيفية تأثير مواقع التواصل الاجتماعي بشكل سلبي على الأطفال والمراهقين. لقد غيرت التطورات التقنية التي تحققت في العقد الماضي الطرق التي نتواصل بها اجتماعيًا أسرع مما نتخيل. على الرغم من مزايا مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت من عملية التواصل أسرع وأكثر مرونة، لكن إذا كان التواصل والاستخدام مفرطًا على الرغم من كونه ممتعًا سيكون له جوانبه المظلمة، فهو سلاح ذو حدين. حيث أصبح الاكتئاب أكثر شيوعًا بين الأطفال والمراهقين في الوقت الذي زاد فيه استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص والأنترنت بشكل عام. من الصعب الجزم بأن مواقع التواصل الاجتماعي تسبب الاكتئاب بشكل مباشر، ولكن على الأقل قد تكون أحد العوامل التي تساعد في الإصابة به. هناك نوعين من الدوافع الاجتماعية وراء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للأطفال، إما للتعزيز الاجتماعي أو التعويض الاجتماعي، إذا كان الاستخدام بنية التعزيز الاجتماعي فلا ضرر في ذلك فيتم الاستخدام هنا كفرصة إضافية للتفاعل مع الآخرين، في حين إذا كان الاستخدام بنية التعويض الاجتماعي سيكون الاستخدام هنا معزز للقلق الاجتماعي ولبعض مظاهر الاكتئاب، لأن الطفل حينها يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لتعويض النقص في المهارات الاجتماعية أو عدم الراحة في مواقف التفاعل الاجتماعي الواقعي وجها لوجه. وبما أن التواصل مع الأقران افتراضيًا أقل إشباعًا عاطفيا مقارنة بالتواصل الواقعي، فلا نستغرب هنا عندما نجد أن الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول على وسائل التواصل الاجتماعي يشعرون بالعزلة، أو أن شعورهم بالعزلة قد يشجعهم على فرط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
قد تلعب مواقع التواصل الاجتماعي الدور البديل للعب والترفيه والأنشطة التي يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي أن تعوقها أو تقلل منها بدون وعي الآباء. فبإمكانها أن تقطع الوقت الذي يقضيه الأطفال في الأنشطة التي تجعلهم يشعرون بالرضا، مثل التمارين والهوايات، بل حتى المذاكرة أيضًا. فبدلاً من أن يقوم الطفل بنشاطاته اليومية مع أسرته وأصدقائه، أصبح يقوم بها بمفرده على مواقع التواصل الاجتماعي، فلا نلوم الطفل حينها عندما نجده حبيس غرفته، ويعد ذلك أحد أكبر الاختلافات في حياة أطفال الجيل الحالي مقارنة بالأجيال السابقة، في كونهم يقضون وقتًا أقل بكثير في التواصل مع أقرانهم واقعيًا ووقتًا أطول في التواصل إلكترونيًا. فيعد كل من زيادة ساعات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والتعلق والالتصاق بالألعاب الإلكترونية بطريقة ملفتة للنظر أحد عوامل الخطر الاجتماعية للإصابة باكتئاب الطفولة.
أظهر كثير من الأطفال والمراهقين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في أغلب الدراسات التعرض للتنمر الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي وتقدير ذات سلبي، وعدم الرضا عن وزنهم ومظهرهم، بالإضافة مشكلات النوم خاصة الأرق والنوم المتقطع. حيث أشارت نتائج الدراسات بشكل عام إلى الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أحد أهم المنبئات بالاكتئاب والوحدة النفسية وانخفاض التفاعل الاجتماعي بين الأطفال. وقد أفترض الباحثون ظاهرة جديدة تسمى “اكتئاب الفيسبوك Facebook depression”، تعرف بأنها الاكتئاب الذي يتطور عندما يقضي الأطفال والمراهقون قدرا كبيرا من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر، وبعد ذلك تبدأ تظهر عليهم أعراض كلاسيكية للاكتئاب. والأطفال الذين يعانون من اكتئاب الفيسبوك عرضة لخطر العزلة الاجتماعية وفي بعض الأحيان ينتقلون إلى مواقع الأنترنت الخطرة والمدونات لطلب المساعدة والتي قد تعزز إساءة استخدام المواد النفسية والممارسات الجنسية غير الآمنة، أو السلوك العدواني أو سلوك التدمير الذاتي Self-destructive behaviors.
يجعل ضغوط الأقران وتأثيرهم على الأطفال والمراهقين من الصعب جدًا عليهم الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لو كانت هذه المواقع تؤثر عليهم سلبًا. بل يدخل هؤلاء الأطفال والمراهقين في حالة من التنافس في أكثر المشاركات والمنشورات أعجابًا، بل يتخطى الأمر كل ذلك إلى إدمان الصور الذاتية (السيلفي) فيؤثر بالطبع هذا الانشغال غير الطبيعي على الحالة المزاجية فيجعلها أكثر تقلبًا، فيصبح الطفل أكثر سعادة وامتنان من منشور أو رسالة عبر مواقع التواصل، ولا يمضي كثير من الوقت إلا ويتغير مزاجه إلى الأسوأ بمنشور ورسالة أخرى. فأن حالة المقارنة الاجتماعية في هذه المواقع لا تفرق بين طفل أو راشد، من خلال مقارنة الذات مع الأخرين الذي قد يعتبرهم الطفل أفضل أو أكثر نجاحًا منه. فنجحت مواقع التواصل الاجتماعي في ترويج صور النجاح والثروة والترفيه للغير، الأمر الذي يجعل طفل عرضة لمشاهدة مواقف الترفيه والتعزيز واللعب والمرح لأصدقائه والذي يفتقده.
وأخيراً رسالتنا لكل أم وأب، ابتداءً من اليوم، حاول الاستماع إلى طفلك والإنصات إليه، بدلاً من توجيهه فقط إلى ما يجب فعله وما لا يجب فعله. يمكنك البدء بسؤال طفلك عن آرائه ومشاعره. خصص وقتًا للتأكد من أنك منخرط تمامًا مع طفلك وتستمع إليه، اترك هاتفك الجوال ومواقع التواصل الاجتماعي بعيداً عنك، وكن عنصر فعال في تربية طفلك. لأنك قدوته وأكثر النماذج التي يحاول طفلك تقليدها فقد تكون السبب الأول في استخدامه المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي دون أن تدري، خاصة عندما يرى التناقض بين ما تفعله وما تطلب أن يقوم به، سيكون من الصعب إقناعه وقتها بترشيد استخدامه أو منعه. فمن المهم أن تتعامل مع هاتفك بالطريقة التي تحب أن يعامل طفلك بها هاتفه.