نفخر بأبطالنا..فهم نموذج عملي لمكانة مصر في القرآن والسنة
رصد وقراءة: جمال سالم :
يحتفل الشعب المصري ، وفي المقدمة منه قواته المسلحة الباسلة، في التاسع من مارس سنويا، بـ”يوم الشهيد”، اعتزازا بشهداء مصر الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الوطن، تزامنًا مع إحياء ذكرى الشهيد الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، والذي يعد أحد أشهر العسكريين في النصف الثاني من القرن العشرين .
لم يكن استشهاد عبد الفريق عبد المنعم رياض عاديا وإنما كانت له ملابسات خاصة فقد استشهد في عام 1969، حينما توجه للجبهة في اليوم الثاني لحرب الاستنزاف ليتابع بنفسه نتائج قتال اليوم الأول ، وليكون بينهم في الفترة الجديدة تتسم بطابع قتالي عنيف ومستمر لاستنزاف العدو،وليكون هذا بداية لمحو آثار نكسة 1967 والإعداد لنصر اكتوبر 1973 ، وأثناء مروره على القوات المقاتلة في الخطوط الأمامية شمال الإسماعيلية، أصيب بنيران مدفعية العدو أثناء الاشتباك بالنيران وفارق الحياة قبل أن يصل مستشفى الإسماعيلية لأن الإصابة كانت قاتلة ، وخرجت جموع الشعب المصري بكل طوائفه في وداعه مشيعين جثمانه بإجلال واحترام في جنازة تاريخية امتزج فيها الفخر بالشهادة دفاعا عن الوطن ، والحزن العميق لفقد قائد مخلص نادرا ما يجود الزمان بمثله .
تم اختيار يوم 9 مارس بعد انتصار حرب أكتوبر ليكون يومًا للشهيد، تخليدا لذكرى الفريق عبد المنعم رياض الذي نعاه الرئيس جمال عبد الناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر، وقامت بمصر وضع تمثالا له فى أحد أكبر ميادين القاهرة وأطلقت اسمه عليه، وهو الميدان المعروف الآن بمنطقة وسط البلد بالقرب من ميدان التحرير.
تهدف فكرة إحياء يوم الشهيد المصرى سنويا للتأكيد على فكرة العطاء والتضحية بالروح من أجل كرامة الوطن، وأن الجنود المصريين قادرين على التصدي لأعداء الوطن من الخونة الذين يحاولون الفصل بين الشعب المصري العظيم وجيشه الباسل تحت مزاعم وأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان.
أقامت مصر نصبًا تذكاريًا يليق بجلال الانتصار ويرسخ تقاليد القوات المسلحة فى الوفاء بشهدائها عبر العصور من واقع الحضارة المصرية الخالدة صُمم على شكل هرم خرسانى مفرغ على مساحة 10 آلاف متر مربع وبارتفاع 32 متر ويتكون من أربعة أضلاع لكل منها وجهان مسطحان بمساحة تصل إلى 325 متر مربع وتحتوى كل وجهة على 18 سطر من الكتابة البارزة سُجل عليها أسماء رمزية لشهداء مصر فى مختلف الحروب ليكون بديلًا للنصب التذكارى القديم بمنطقة مقابر الغفير، كما دُفنت رفاة لأحد الشهداء المجهولين داخل النصب ليصير رمزًا للجندى المجهول تبدأ عنده احتفالات مصر القومية، كما تقصده الزيارات والوفود الأجنبية رفيعة المستوى للوقوف تحيةً وإجلالًا لأرواح الشهداء وقراءة الفاتحة ترحمًا على أرواحهم، كما أقامت القوات المسلحة نصبًا تذكاريًا بمقابر شهداء الحروب فى المناطق التى قدموا فيها أرواحهم فداءً للوطن فأقامت مقابر لشهداء الجيش الثانى الميدانى وأخرى لأبطال أكتوبر من شهداء الجيش الثالث الميدانى ونصبًا تذكاريًا لشهداء البحرية والدفاع الجوى، وأقامت المناطق العسكرية نصبًا تذكاريًا للشهداء من أبناء المحافظات التى تدخل فى نطاق تلك المناطق حيث يقوم القادة والمحافظون بوضع أكاليل الزهور خلال الاحتفالات القومية والأعياد الوطنية المختلفة.
يحق لكل بيت مصري أن يحتفل بهذا اليوم لأنه لا يوجد بيت في مصر كلها إلا وفيه شهيد من أي من الحروب العديدة التي خاضتها مصر دفاعا عن دينها وهويتها وأمتها العربية والإسلامية.
مكانة الشهيد
عن مكانة الشهيد في الإسلام يقول الدكتور أحمد عمر هاشم ، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر : شهداء مصر عبر التاريخ لا يعدوا ولا يحصوا، فمنذ فجر التاريخ قدم أبناؤها أرواحهم فداء لها ودفاعا عنها ضد كل الغزاة، وقدمت خيرة شبابها ورجالها لإجلاء المستعمرين والغاصبين ، وأخرها حرب اكتوبر1973 المجيدة التي ثأرت فيها مصر لكرامتها محطمة أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم ، وقد قال الله عن مكانة الشهيد “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ”
وأوضح الدكتور عمر هاشم أن انتصارات الجيش المصري عبر العصور خير دليل على عقيدة الجندي المصري ، نموذجا عمليا لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما قال:”إذا فتح الله عليكم مصر بعدي، فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض، وإنهم في رباط إلى يوم القيامة” ، وقال عن مكانة الشهيد عامة ” “ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة ” فالمصري منذ طفولته يتغنى بحب دينه ووطنه وشعاره ” الدين لله والوطن للجميع ” حيث امتزجت دماء المسلمين والمسيحيين في كل الحروب دفاعا عن مصرنا الغالية التي وصفها القرآن الكريم بأنها بلد الأم والأمان فقال الله تعالى على لسان نبيه يوسف الصديق بن نبي الله يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهم جميعا الصلاة والسلام ” فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ “
وأنهى الدكتور عمر هاشم كلامه مؤكدا أننا في النهاية في ذكري الإحتفال ب” يوم الشهيد ” يجب علينا أن ندعو الله بالرحمة والدرجات العلا والفردوس الأعلى من الجنة لأنه سبحانه وتعالى القائل :” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ”