.شهر شعبان المعظم، شهر النفحات والبركات، والدعاء فيه من أعظم العبادات وأفضلها، لأنه تقرب من العبد لخالقه، والدعاء مع الشعور المرهف الذي يصاحبه ومع الإقبال التام على الرب في خشوع وخضوع وتضرع، يؤكد عبودية المخلوقات للخالق.
كما أن الدعاء على هذا النحو من الإخلاص يؤكد الثقة بأن الله تبارك وتعالى قريب منا، مطلع علينا، ونحن أيضا موقنون بالاجابة فهو جل شأنه يقول: “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بی لعلهم يرشدون” سورة البقرة: (186).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخص هذا الشهر بالكثير من الصوم، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذلك الشهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم”.
وصوم يوم النصف طلبا لرحمة الله ومغفرته واستزادة من مرضاته، واستقبالا لخيره الذي لا ينقطع عن من تاب إليه وأناب، فإنه سبحانه وتعالى وفي الطائعين الصابرين الصائمين أجرهم بغير حساب.
وإن خير ما يعبد الله به في هذه الليلة العظيمة البركة والخيرات، الصلاة وتلاوة القرآن، والدعاء بما يفتح الله به على المؤمن في دعائه وخشوعه وعبادته وخير الدعاء ما علمنا الله إياه في القرآن، وما ورد عن رسول الله.
فقد روى ابن ماجه -رحمه الله- عن الامام علي- عليه سلام الله وكرم الله وجهه- قال: إن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ((إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا نهارها، فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلى فأعافيه، ألا كذا .. ألا كذا..، حتى يطلع الفجر)).
والمقصود في هذا الحديث من نزول الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، نزول بركاته وتجلياته وعفوه وغفرانه ورحمته وفضله وإحسانه، فعلينا أن نتوجه بأسباب التوبة إلى الله تبارك وتعالى، في هذه الليلة المباركة التي يتجلى الله فيها على عباده بالعفو والغفران، والرحمة والرضوان .
فهى ليلة فاضلة في شهر فاضل. تحدث عن فضلها أهل العلم من السابقين واللاحقين ومن أبرز علماء العصر والذي ألَّف في فضلها رسالة قيمة شيخنا وشيخ مشايخنا المغفور له الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق طيب الله ثراه.
فعن عطاء بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله قال ((ما بعد ليلة القدر، أفضل من ليلة النصف من شعبان)).
والدعاء يكون بالعزم والثقة بما في يد الله من الخير فقد روى الإمام البخاري في صحيحه قال ((حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرنا عبدالعزيز عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقول اللهم إن شئت فأعطني، فإنه جل شأنه لا مستكره له).
وقد أثبت العلماء الأعلام، أن ليلة النصف من شعبان تكتب فيها المقادير والأحكام والآجال، وفي ليلة القدر سلم الصحف إلى أربابها من الملائكة المدبرات، ويؤيد هذا ما روی عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله ((إن الله تبارك وتعالى يقضى الأقضية كلها ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر)). قال الإمام الألوسي (أن ليلة النصف من شعبان هي المرادة بالليلة المباركة). ولهذا يكون الاحتفال بليلة النصف من شعبان بكثرة الدعاء والإبتهال إلى الله من توفيق الله للعبد المؤمن الذي يرغب في التزود من الأعمال الصالحات باغتنام بركة هذه الليلة بالدعاء والقيام وصيام نهارها. وقد أحياها رسول الله، وقال: “إن الله ينزل في ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من شعر غنم بني كلب). ونزول المولى تبارك وتعالى، ليس كنزول المخلوقين من مكان إلى مكان بل هو نزول يليق بجلال ذاته عز وجل. وبني كلب قبيلة من كبريات قبائل العرب تملك من الغنم ما لا عد له ولا حصر من الكثرة. وقد نظر البخاري في سند الحديث لا في متنه والترمذي حسنه لأن هذا الحديث له شواهد عند ابن ماجه والبيهقي وابن خزيمة وهم من كبار رواة الحديث الثقاة. فلا نكران لفضل هذه الليلة وفضل إحيائها بالدعاء والاستغفار والعبادة وقراءة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يجتمع الناس فيها وتقام فيها نشاطات علمية وفقهية ودعوية تحث الناس على الخير وتنهاهم عن الشرور والآثام، فقد جاء في الحديث المتصل السند عن رسول الله (إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها).
وإن ليلة النصف من شعبان هي ظرف تاريخي عظيم، فحادث تحويل القبلة في هذه الليلة المباركة أمر قد يغفل عن أهداف ومراميه كثير من الناس، هذا الحادث له أبعد الأثر في تاريخ الأمة الاسلامية فتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة بعد أن استقبل المسلمون بيت المقدس في صلاتهم ستة عشر شهرا، وفي رواية سبعة عشر شهرا. فمن أسرار هذا التوجه إلى بيت المقدس أولا ثم تحويله إلى الكعبة المشرفة، توثيق الصلة بينهما .كما كانت تأكيدا للقيم الثابتة والرسالات السامية التي انبعثت من رحاب بیت المقدس، بالاضافة إلى ما هو معروف لدينا باستمالة وتطمين أهل الكتاب جميعا وإشعارهم بوحدة الأديان في إطارها الصحيح ومن ثم احترام دين الاسلام لسائر الديانات.