الأزمنة الفاضلة من أنسب أوقات الجد والاجتهاد في الطاعة ، وشهر رمضان من مواسم الجود الإلهي العميم، حيث تُعْتَق الرقاب من النار، وتوزع الجوائز الربانية على الأصفياء والمجتهدين، الكون كله يستعد لاستقبال شهر رمضان، أبواب الجنة تفتح وأبواب النار تغلق ، فأولى بالإنسان الضعيف أن يستعد لاغتنام هذا الشهر بالذكر والقرآن والقيام والصدقات .
لقد صامت أمتنا دهورًا، ولم يزدها الصيام قربا من ربها ، لقد صار رمضان موسمًا مفرّغًا من مضمونه مجردًا من حقائقه، بل صار ميدانًا للهو والملذات عند بعض المسلمين ، ولو تجهزت الأمة لهذا الشهر الفضيل وأعدت له عدته، وشمر الناس جميعًا سواعد الجد في الطاعة لرأينا أمة جديدة متقدمة ذات همة وثابة إلى الطاعات.
قد يضعف لدينا الإيمان فنحتاج إلى السير في طريق الآخرة حتى تتواثب الأشواق في القلوب لنحصل المغفرة في شهر المغفرة والرحمة ، ونحن في استقبال رمضان لابد من بعث الشوق إلى الله في القلوب ؛ فقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلاته: “وأسألك الرضا بالقضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ..” ينبغي مضاعفة هذا الشوق قبل شهر رمضان لتُضاعف الجهد فيه، وهذا الشوق نوع من أنواع الوقود الإيماني الذي يُحفّز على الطاعة، فبه يذوق المتعبد طعم الصيام والقيام .
ومجالات الشوق كثيرة أعظمها الشوق إلى رؤية وجه الله – عز وجل – قال صلى الله عليه وسلم -: “إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول تبارك وتعالى : تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تُدخلنا الجنة وتنجّنا من النار؟ فيُكشفُ الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم”. ومن مجالات الشوق: الشوق إلى جنة الله ورحمته ورؤية أوليائه في الجنة وخاصة الشوق إلى لقاء النبي – صلى الله عليه وسلم – في الفردوس الأعلى.
ينبغي أن نستقبل شهر رمضان بمعرفة فضائله وأسراره ، وبالتمرن على الهمة العالية والعزيمة الوثابة في الطاعات ، قال الحسن: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره. وقال وهيب بن الورد: إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل . وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة الجماعة صام يومًا، وأحيا ليلة، وأعتق رقبة.
ينبغي لمستقبل رمضان أن يترك أهل اللهو والغفلة ، وأن يصحب ذوي الهمم في الطاعات ، وأن يحاسب نفسه كل يوم فإن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا ، وأن يعلم أن حلاوة الطاعة ملاكها في جمع القلب والهم والسرعلى الله ، فإذا ذاقت الهمة طعم هذا الجمع تضاعف اشتياق صاحبها وتخلى عن الرذائل فإذا كان مدخنا بادر إلى تقييد هذه العادة السيئة وبترها .