الأصل فى التجارة التحلى بالصدق والأمانة وعدم استغلال الأزمات
عثمان بن عفان باع قافلته لله مرجحا الأجر من الله على زيادة الأسعار
التوبة الصادقة والعمل الصالح.. يرفعان البلاء والغلاء
د. رمضان يونس:
القناعة بالقليل تزيد المال وتعود على التاجر بالخير الوفير
د. كمال سيف:
من يحبس السلع عن الناس لرفع سعرها .. برئت منه ذمة الله ورسوله
أدار الندوة :
إبراهيم نصر
تصوير: عمر الدسوقى
أكد العلماء المشاركون فى ندوة وزارة الأوقاف بالتعاون مع صحيفة عقيدتى، أن التاجر المحتكر المستفل لحاجة الناس .. ملعون فى الدنيا والآخرة، وأن من يحبس السلع عن الناس لرفع سعرها .. برئت منه ذمة الله ورسوله، وأن الأصل فى التجارة التحلى بالصدق والأمانة وعدم استغلال الأزمات، مشيرين إلى أن شيدنا عثمان بن عفان باع قافلته التجارية بأكملها لله تعالى، مرجحا الأجر والثواب من الله على زيادة الأسعار، ورفض كل العروض والإغراءات لرفع الأسعار واستغلال حاجة الناس.
قالوا: إن القناعة بالقليل تزيد المال وتعود على التاجر بالخير الوفير،والاستغلال والاحتكار خطره يقع على المجتمع والتجار أيضا، لأن المرض والإفلاس هما المصير المحتوم لمن يحتكر طعام الناس أو شرابهم أو دواءهم أو كساءهم، مشيرين إلى أن الحل فى تربية الضمير على التقوى ومراقبة الله عز وجل، وأن التوبة الصادقة والعمل الصالح يرفعان البلاء والغلاء.
أضافوا: إن من أهم خصائص الشريعة الإسلامية رفع الظلم والتظالم بين الناس، فقد أرشد الإسلام ووجه إلى طريق الكسب الحلال من خلال التجارة والبيع والشراء في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ ﷲ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وقد ضبط الإسلام وقيّد المعاملات بما يجب أن تكون عليه من مراعاة حقوق الناس، وإقامة العدل بينهم، وحرم أكل أموال الناس بالباطل، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.
أقيمت الندوة برعاية كريمة من الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، بديوان عام الوزارة، تحت عنوان: مخاطر الاستغلال والاحتكار، وأدارها الكاتب الصحفى إبراهيم نصر مدير تحرير “عقيدتى”، وحاضر فيها كل من: الدكتور رمضان محمود يونس الأستاذ المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين بجامعة الأزهر بالقاهرة، والدكتور كمال سيف مدير مكتب وزير الأوقاف.
خطورة عامة

فى بداية كلمته بالندوة حذر د. رمضان يونس من خطورة الاحتكار وغلاء الأسعار والاستغلال والغش على الفرد والمجتمع، مؤكدا أن هناك خطورة على الناس عامة، كما أن هناك خطورة على التجار أنفسهم، أما خطورة ذلك على الناس عامة فتكمن فى أن بعض التجار- إلا من رحم ربي – غرضهم الأساسي الربح، وتراهم يسلكون من أجل ذلك كل مسلك، سواء أكان بطريق الحلال أم الحرام، وما قضايا الاحتكار والغش التجاري عنا ببعيد، فهى كثيرة ومنتشرة بين التجار الذين لا يراعون فقر المستهلكين، بل يزيدون أموالهم يوما بعد يوم بمص دماء الفقراء والمحتاجين واستغلال حاجتهم للسلع الأساسية، وبالتالى يزداد الهم والحزن الذي ينتاب المواطنين البسطاء، والطعام والشراب والكسوة والدواء من الأمور التى لا يستغنى عنها البشر، وإذا حورب الإنسان فى رزقه، وزاد التجار فى أسعار السلع رغما عنه ودون مراعاة لقدراته المادية، فإنهم بذلك يصنعون من هذا الإنسان قنبلة موقوتة – دون علم أو دراية – قد تنفجر فى أى وقت وفى أى مكان.
العاقبة محق البركة
وعن نبذ الغش قال الدكتوررمضان يونس: يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ” ويقول: “الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا” (رواه البخاري)، وكأن الجزاء من جنس العمل؛ فمن يحتال ابتغاء مكسب أكثر، تكون العاقبة أن محقت بركة البيع والكسب، ولقد مَرّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي” (رواه مسلم).
الوفاء بالكيل والميزان
وطالب الدكتور يونس بضرورة الوفاء بالكيل والميزان قائلا: لقد اهتم القرآن بهذا الجانب من المعاملة، وجعله من وصاياه، قال تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ) (الأنعام ـ 152)، وقال سبحانه: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) (الإسراء ـ 35)، أما التطفيف فله عواقب وخيمة، قال تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفينَ * الَّذينَ إِذا اكْتالوا عَلى النّاسِ يَسْتَوْفونَ * وَإِذا كالوهُمْ أو وَزَنوهُمْ يُخْسِرونَ * أَلا يَظُنُّ أولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعوثونَ * لِيَوْمٍ عَظيمٍ* يَوْمَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمينَ) (المطففين1-6).
ويجب على التجار عدم احتكار السلع: فقد قَالَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ” (رواه مسلم)، إذ إن احتكار السلع سلوك ذميم، يحمل في طياته بذور الضرر للناس، غير أن فيه دلالة على محبة الذات وتقديم النفس على حساب الآخرين، فما أشد عواقبه إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ”. وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: “مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ” (رواه ابن ماجه).
لا للغش والتدليس والاحتكار
أضاف: إن العاقل ليعجب: كيف أن الاسلام قد حرم الغش والتدليس والاحتكار في كل الأوقات، هذا من جانب، ومن جانب آخر أن الاسلام حث على التكافل والتراحم في كل الأوقات؛ ثم تسمع عن محتكر أو غاش في وقت الشدائد والأزمات، الوقت الذي يتأكد عليه فيه أن يجيب السائل، ويقضي الحوائج، ويفرج الكرب، ما دام قادرا على ذلك؟!
إن التكاتف وقت الأزمات صفة شاملة لكل صور التعاون والإيثار وتقديم العون للمحتاج؛ فما أحوجنا إلى تحقيق هذه المعاني السامية والقيم الراقية، وقد قال الله تعالى: (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍۢ فَلِأَنفُسِكُمْ) (البقرة 272)، وقال سبحانه (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ) (محمد 38)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ, وَالْآفَاتِ وَالْهَلَكَاتِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ, وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا, هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ”.
قواعد وأسس رسخها الإسلام
