فالملاحظ فعلا هو انخفاض تهافت الكثيرين على مُلهيات ومُفسدات الأعمال الدرامية التى نُبتَلى بها كل عام، وكأنهم يدّخرون كل أسلحتهم ومفسداتهم لهذا الشهر الكريم، لولا بقية من أعمال وطنية ودينية واجتماعية، وعلى رأسها “الاختيار”، “العائدون”، ولولا وقوف “المجلس الأعلى للإعلام”بالمرصاد لكل مخالفة لقواعد وآداب النشر والإعلام، سواء فى الأعمال الدرامية أو حتى المادة الإعلانية.
لكن هناك جانبا مهما ورئيسيا ويتمثّل فى “الإرادة الذاتية” لكل فرد يريد الحفاظ على أجر صيامه كاملا، ولو أن كل شخص استعاض عن الجلوس أمام الشاشة بضع ساعات من الليل، بالذهاب إلى أقاربه أو جيرانه أو حتى خرج للتنزُّه مع أبنائه أو أصدقائه، لَذَاق طعمًا مختلفا لروائح وروحانيات هذا الشهر الكريم، وليتنا جميعا نُعيد إحياء القيم النبيلة والفاضلة والتى كادت أن تندثر وسط ضجيج المدينة وسُعار المادة التى قاربت على التهام كل ما هو أخضر وجميل من حياتنا، حتى صارت حياتنا صحراء قاحلة من العلاقات الدافئة، متقطعة الأوصال وكأننا فى جُزُر منعزلة!
ما أجمل أيام هذا الشهر المعظم لو استثمرناها فى الطاعة والقُرب من الله، وأيضا القُرب من بعضنا البعض، حتى تهون علينا الصعاب والتحديات ونتغلّب عليها بسهولة ويُسر، طالما كانت أيدينا فى يد بعض، وظهورنا تسند وتعضد بعضها.
إنها فرصة عظيمة لإعادة الروح لحياتنا التى كانت زمان، وأغلبنا يتحصَّر عليها، فلماذا نُضيّعها من بين أيدينا ثم ننصب مجالس الندم والحسرة؟! أليس من الأولى بنا أن نسارع اليوم قبل الغد، وننجوا من هاوية الوقوع فى فخ “الشاشة”، وننطلق فى إعادة بناء حياتنا من جديد على أُسسٍ إنسانية وعلاقات اجتماعية، ملؤها الحب والتراحم والتعاون، وهذا لن يكون إلا إذا أعدنا جسور التزاور والتواصل الواقعى وليس الافتراضى، ولنرفع شعار “تعالوا نتزاور” خاصة وأننا فى شهر التواد والتزاور والتراحم، وليُعن كل منّا أهله وجيرانه وأصدقاءه، فى تحقيق هذا “التزاور” دون تكلُّف أو أعباء إضافية، سواء من الزائر أو المَزُور، ونقضيها بـ”الموجود”، فنحن أحوج ما نكون لدفء المشاعر وحرارة التواصل ولهفة القلوب، قبل الهدايا والواجبات المكلِّفة.
ليكن رمضان هذا العام بداية صفحة جديدة لعودة الروح لحياتنا وعلاقاتنا القائمة على المحبة والشعور بالغير، بعيدا عن التكلّف المقيت والقاتل، والذى جعلنا فى حالة “عَزْلِ انفرادى” باختيارنا!
وصدق الله العظيم إذ يقول: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” الحجرات: 13.