تجديد الخطاب الديني مسؤولية الجميع.. والمؤسسات الدينية لا تحتكره
العلم جزء من الرؤية الشرعية لأَهِلَّة الشهور
إجبار المرأة على الزواج.. مخالف للشرع
حوار: إيهاب نافع
أكد فضيلة د. شوقي علام- مفتي الجمهورية- أن تجديد الخطاب الديني مسؤولية الجميع والمؤسسات الدينية لا تحتكره ولا تنفرد به، وأنه يقدِّر ويثمِّن أيَّ مقترحات أو نقد بنَّاء يوجَّه لدار الإفتاء على السوشيال ميديا ولا نلتفت للإساءات، وأن العلم جزء من الرؤية الشرعية لأَهِلَّة الشهور العربية كرمضان وغيره، وأنه لا يجوز إكراه المرأة على الزواج ممن لا ترضاهدار الإفتاء كانت سباقة في اعتلاء منصات التواصل الاجتماعي نشرا لصحيح الدين ورغم ذلك شنت الجماعات المتطرفة والملحدين معا هجمات حادة عليكم، فما السبب؟
** حرصنا في دار الإفتاء على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في حفظ استقرار المجتمعات والدولة الوطنية، والدعوة إلى قبول الآخر والتناغم معه في سبيل تشييد البناء الحضاري للإنسان والتعاون المشترك، مستفيدة بذلك من الجوانب الإيجابية للفضاء الإلكتروني، وذلك لادراكنا للمسئولية الملقاة على عاتقنا لكوننا أكبر مؤسسة إفتائية في العالم لمواجهة غزو هذا الفضاء، والتعامل معه بذكاء وأن نكون مؤثرين، بل نسعى دائمًا إلى إيجاد موضع قدم لنا على كافة وسائل التواصل الاجتماعي حتى أننا أنشأنا حسابًا على موقع “تيك توك” بعدما لاحظنا وجود عدد من الفتاوى الصوتية والأفكار الشاذة التي تنشر عبر هذا التطبيق، وذلك إيمانا منا بضرورة تكثيف الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي لما لها من تأثير ومميزات كثيرة، منها سرعة الانتشار واستخدام الشباب لها ووجودهم بشكل مستمر، حيث تمثِّل أسلوب التواصل العصري الجديد، فكان لابدَّ من التواصل من خلالها وإيصال المعلومات الدينية بشكل يستطيع الشاب تناوله والتفاعل معه.
كما تقوم وحدات مختصة داخل الدار بتحليل ودراسة التفاعلات المختلفة من الجمهور والمتابعين على ما تكتبه الدار على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهناك تأييد من جمهور عريض بلا شك، فضلًا عن وجود بعض التعليقات والتفاعلات المسيئة التي يقف خلفها أعداء الوطن من أصحاب الفكر الإخواني المتطرف وغيرهم، وقد أوضحنا كافة شبهاتهم في كثير من الفتاوى والإصدارات كالتأسلم السياسي والدليل المرجعي، والأهم من ذلك كله وجود صنف ثالث من التفاعلات وهو صاحب النصيب الأكبر من الاهتمام والعناية، وهم أصحاب النقد البناء، فنحن نقدِّر ونثمِّن أي مقترحات أو نقد بنَّاء قائم على المنهجية والموضوعية يوجَّه للدار.
من حين لآخر تتجدد استفزازات اسرائيلية بالنيل من المسجد الأقصى فكيف تنظرون لتلك القضية؟
** القضية الفلسطينية هي قضية كل عربي ومسلم في ربوع الأرض يحملون أمانتها أينما كانوا؛ نظرًا لما للقدس من مكانة دينية وحضارية على مرِّ التاريخ، ولمصر جهود تاريخية من أجل القضية الفلسطينية، والسعي من أجل لمِّ الشمل ووحدة الفصائل الفلسطينية، كما أن المسجد الأقصى، وقضية القدس الشريف وقضية المسجد الأقصى المبارك لا زالت هي القضية المحورية الأهم التي يجتمع عليها العرب والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، ونحن ندعو دوما لإبعاد المتطرفين اليهود عن المسجد الأقصى، وعدم افتعال الأزمات، وخاصة خلال شهر رمضان.
وبشكل عام كانت مصر ولا زالت تعمل بقيادة الرئيس القائد عبدالفتاح السيسي، على توحيد الجهود وإذابة الفوارق وحل الخلافات بين كافة الفصائل من أجل تقريب وجهات النظر وجمع الشمل وتوحيد الصف لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وإنهاء المعاناة التي يعانيها الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج جراء الظروف الشديدة والقرارات التعسفية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني يوميا بسبب الاحتلال.
في كل عام تتملك عموم المسلمين حيرة عند رؤية هلال شهر رمضان وكذا الأعياد ما بين الرأي والرؤية الشرعية لدور الإفتاء ورأي هيئات البحوث الفلكية فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟
** لا تعارض مطلقًا بين علم الفلك وبين الشرع المتمثل في الرؤية الشرعية، فالعِلمان متكاملان وليسا متعارضين، والشرع يقدِّر ويثمِّن قيمةَ العلم، بل هو جزء من الشخصية المسلمة، والمسلمون لم يكونوا بمعزل عن العلم، كما أنَّ العلم جزء من الرؤية الشرعية لأَهِلَّة الشهور العربية كرمضان وغيره، كذلك يمكن للعلم التنبؤ بمواقيت الصلاة، فضلًا عن الظواهر الطبيعية كالكسوف والخسوف وغيرهما لسنوات مقبلةما هو الاتجاه الصحيح لتجديد الخطاب الديني؟
** عندما نكون في الاتجاه الصحيح فنحن أمام تجديد للخطاب الديني، أما إذا حِدنا عن المنهجية العلمية الرصينة التي وضعها الأسلاف واستقيناها من علمائنا الكبار المعتبرين نكون أمام خطاب آخر مدمر، وأننا نريد فهمًا رشيدًا لهذا الدين؛ لأن هناك فرقًا بين فهم النصوص القرآنية وسنة رسول الله، وبين المفاهيم المختلفة على مر التاريخ للنص الشريف، مشددًا أن لدينا نصًّا مقدسًا يتمثل في القرآن والسنة، هذا كله لا نقترب منه من ناحية الإضافة أو الحذف أو الإجمال، لكننا وفق إطار علمي محدد نفهم ونتعامل مع هذا النص الشريف وننزله إلى أرض الواقع بمنهجية لا عشوائية نستعمل فيها الخطاب الوضعي بهدف إدراك الواقع، وهو ركن ركين من عمل الفتوى، إذا أدركناه فإننا نأتي إلى منطقة النص الشرعي وننزلها بناءً على فهمنا للخطاب الوضعي من توافر الشرط والأسباب وانتفاء الموانع، وإننا إذا تعاملنا مع القضية هكذا نكون قد جددنا.
وتجديد الخطاب مسؤولية الجميع، والمؤسسات الدينية لا تحتكره ولا تتفرد بأمر التجديد، فالتعليم يتحمل جانبًا والإعلام يتحمل جانبًا… وهكذا؛ لأننا نريد تعليمًا يؤدي إلى عقل رشيد يتعامل مع قضايا المجتمع تعاملًا حكيمًا كلٌّ في اختصاصه، والمؤسسات الدينية لبَّت دعوة رئيس الجمهورية، لتجديد الخطاب الديني ولم تحتكر فهم الواقع وتقصره عليها فقط، بل توسعت في الاستعانة بالعديد من الاختصاصات الطبية والاقتصادية وغيرها للحفاظ على الثوابت، وهو ما تفعله دار الإفتاء عند إصدار الفتاوى.
وما هي ضوابط تعاملكم مع التراث؟
** نتعامل مع النصوص بضوابط كثيره في الفهم، ولابد من توافر شروط لننزل بالنصوص على أرض الواقع، مثل توافر الشروط والأسباب وانتفاء الموانع، ويمكن أن يظهر في بعض الحالات عدم تطبيق النص، لكن الواقع أنه طبِّق تطبيقًا صحيحًا؛ ولذلك لما حل عام المجاعة في زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، كانت الناس في حاجة شديدة، وكانت هناك بلا شك أياد امتدت إلى ملك الآخرين، وانتشرت السرقة، لكنهم كانوا في حاجة وعوز، وفي هذا الحالة لا يصح تطبيق عقوبة السرقة؛ لأنه إن وجدت الضرورة مثل ما حدث في عهد عمر بن الخطاب من مجاعات وبحثنا عن توافر الشرط والأسباب وانتفاء الموانع، نجدها غير متوفرة، بينما يظن بعض الناس أن الفقيه أهمل النص”.
الرئيس السيسي وجه الدعوة اكثر من مرة لتجديد الخطاب الديني فما الذي تم في ذلك؟