لقد خلق الله تعالي الإنسان كائنٌ متفاعلٌ مع المجتمعِ، يحبّ أن يعبّر عن نفسهِ وقناعاته، من خلال عرضِ أفكاره على الآخرين ومشاركتهم تجاربه الحياتية الايجابية منها والسلبية. فيلجأ الإنسان للتواصلِ مع الآخرينَ من خلال الحوار.
يُعد الحوار من أهم أسس الحياة الاجتماعية وضرورة من ضروراتها، فيتخذه الإنسان للتعبير عن حاجاته ورغباته وأحاسيسه ومشكلاته وأسلوب لتصريف شؤون حياته المختلفة، كما أنه أفضل أداة في الإقناع وتغيير الاتجاه الذي يدفع إلى تعديل السلوك، فالحوار يساهم علي ترويض النفوس، وتعويدها على تقبل النقد واحترام الرأي الأخر، ودعم النمو النفسي والتخفيف من مشاعر الكبت وتحرير النفس من المشاعر العدائية والقلق من المستقبل كما أنه يعد وسيلة علاجية لكثير من المشكلات التي يصعب حلها بالطرق التقليدية.
وللحوار الناجح آداب راقية يجب على الإنسان أن يتحلى بها خصوصاً في علاقاته وتعاملاته مع الآخرين، وهي آداب تحث عليها التربية القويمة، والفطر السليمة، والأذواق الرفيعة ، من أجل الإبقاء على علاقات التفاهم والاحترام والتعاون مهما اختلفت الأفكار ووجهات النظر حول موضوع الحوار، وهو ضرورة لنجاح الأطراف المشاركة في إنجاز الهدف من الحوار، ومن هذه الآداب ومنها عدم مقاطعة الشخص المتحدث أثناء حديثة ، بل امنحه الوقت الكافي حتى الانتهاء من وجهة نظره واحترم جوابه وطرحه وأفكاره، وليس من الضروري أن تقتنع بها، الإنصات الجيد ، تحكيم العقل وتغليب الأسلوب العملي والبعد عن الأسلوب الانفعالي في مناقشة أي موضوع حواري ، فثقافة الحوار الجيد البنّاء تتطلب أن تكون حواراتنا حضارية قائمة على أدب الاختلاف لا الخلاف. واحترام الثقافات المتعددة لجميع البشر .
ونتيجة لانتشار وسائل الاتصال الحديثة فلقد ظهر نوع جديد من الحوار يسمي الحوار الإلكتروني ، ومن أهمّ آداب الحوار الإلكترونيّ اللغة السليمة ينبغي استخدام اللغة السليمة أثناء الحوار الإلكترونيّ، ويشمل ذلك تجنّب الأخطاء الإملائيّة والنحويّة والاختصارات اللغويّة. الأسلوب الواضح يجب التقيّد باستخدام أسلوب واضح لتجنّب اللبس في الفهم لان استخدام أسلوب غير واضح سوف يؤدي إلى سوء التفاهم والتواصل عبر الوسائط الإلكترونيّة ، لذا لابد التأكّد من وضوحه عن طريق قراءة الرسالة بصوت مرتفع قبل إرسالها والتأكّد من وضوح معناها، كما يجب الانتباه إلى حدّة اللغة حتّى لا تُترجم على أنّها هجوميّة خاصّةً أنّ الحوار الإلكترونيّ خالي من التواصل المباشر. الاختصار يُفضّل اختصار الموضوع بطريقة شاملة، وعند الحاجة إلى توضيح نقطة بشكلٍ مفصّل يُفضّل كتابتها بشكلٍ منفرد بحيث لا يكون النصّ طويلاً. التفكير قبل الإرسال لا يُمكن استعادة ما تمّ إرساله أثناء الحوار الإلكترونيّ؛ لذا ينبغي التفكير مليّاً قبلَ إرسال المحتوى، وقراءة ما نشره الآخرون لتجنّب التكرار. احترام الآراء المختلفة يضمّ الحوار الإلكترونيّ تنوعاً كبيراً في الشخصيّات، والآراء، والأعراق، والثقافات من مختلف أنحاء العالم، ومن آداب الحوار الإلكترونيّ احترام جميع وجهات النظر وتقبّلها.
و للحوار مستويين رئيسيين يتخذهما المتحاور، اعتماداً على الطرف المشارك في الحوار. النوع الأوّل هو الحوار مع الآخر، الذي يكون بين شخصين أو أكثر حول قضيّة ما بهدف الوصول للحقيقة، ومع مراعاةِ آداب الحوار المختلفة، وبطريقة علميّة ودونَ الحاجة للوصول للنتيجة بشكل فوريّ. ويتميّز هذا الشكل من مستويات الحوار بكثرة استخدام الجمل التعجبيّة والاستفهاميّة والجمل التي تحتوي على الأمر والطلب. وقد يكون الحوار مع الآخر سلبيّاً أو إيجابيّاً، فإذا كان الحوار يتخذ منحنى تعصبيّاً، أو عدوانيّاً، فهو سلبيّ لا جدوى منه سوى الخلاف والعناد. أمّا إذا كان الحوار يهدف لإيصال رسالة، أو الوصول لحقيقة، والأطراف فيه ملتزمون بالاحترام، والواقعيّة، وتقبّل الآخر، فهو حوارٌ إيجابيّ ينهض بالأمّة.
أمّا المستوى الآخر للحوار فهو الحوار مع الذات. فيكون الشخصُ في هذا المستوى متحاوراً مع ذاته روحانيّاً أو داخليّاً، بشكلّ سريّ دونَ أن يشاركه الآخرون الأفكار التي تدور داخله. وهو أشبه ما يكون بتحدث الشخص مع شخصٍ آخرَ وهو هنا صوت داخليّ يمثل الشخص نفسه. ويعدّ هذا الحوار مهمّاً للإنسان، فهو يقلل الاضطراباتِ، ويولّد تناغماً وتصالحاً للإنسان مع نفسه.
فعلينا أن ننتبه إلي أن الحوار أسلوب حياة لابد أن يسود أولاً داخل الأسرة بين الوالدين والأبناء ليكون عاملاً مُدعّماً للتفاهم، وركيزة أساسية للانسجام والتعايش والاتفاق على صيغة تقبُّل الآخر وأفكاره وثقافته واحترامها مهما كانت متناقضة مع أفكارنا ، وثانياً بين أفراد المجتمع فبدون الحوار الجيد سوف نجد أفراد مشردين مهزومين فاقدين للأمل وللحياة ، فغرس شجرة الحوار في تربتنا العربية عبر التربية والتعليم والتثقيف وعبر الممارسات الفعلية أصبح ركيزة أساسية لتقدم أي مجتمع والنهوض به .