يقول الحق سبحانه وتعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
ويقول الله تعالى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وقد ورد عَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلا أُخْبرُكُمْ بأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ»، (أخرجه أبو داود)،
إنَّ هذه البداية هي خير ما نبدأ به هذه الدعوة إلى التسامح، هذه الدعوة التي سوف نحث من خلالها كل مسلم في هذا العالم على نبذ الحقد والكراهية والنزاعات بين البشر، وعلى السعي إلى مسامحة الآخرين وحل الخلافات والنزاعات، لأنَّ المسلم سند أخيه المسلم، فلا يجوز أن تربط المسلمين فيما بينهم أخوة الدين وتبعدهم خلافات الحياة الدنيا التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فعلينا جميعًا أن ننبذ الخلافات، وأن نسعى إلى تحقيق التسامح فيما بيننا في هذا الشهر الفضيل، لكي يتقبّل الله منا كل عمل سوف نقوم به بإذنه في هذا الشهر من صيام وصلاة وقيام وعبادة.
وإصلاحُ ذات البَيْنِ، يقتضي في كثير من الأحيان تَنَازُلاً منَ المرءِ، مطاوعةً منه لإخوانِه، مع سِعَةِ صدْرٍ وحُسْنِ ظَنٍّ.
ولقد تَنَوَّعت ميادينُ الإصلاح في الشَّريعة الإسلاميَّةِ السَّمْحَةِ، من إصلاحِ النَّفسِ باطنًا بالإيمان الصَّحيحِ، والمعتقدِ السليمِ، وتقويمِ السُّلوكِ والخُلُقِ ظاهرًا كما جاء في عنوانِ الرِّسالة النَّبويَّة وشعارِها: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ)، وقد رَاعَتِ الشَّريعةُ إصلاحَ الفردِ والمجتمعِ على حدٍّ سواء، إذْ لا مجتمعَ للنَّاس إلاَّ بمجموع أفراده، وإنَّ صلاحَ المجتمع مَبْنِيٌّ على صلاح الفرد وتَحَمُّلِ الأمانة بأخوةٍ صادقةٍ لا يُكَدِّرُ صفوَها شيءٌ، قائمةٍ على أساس المودَّة والرَّحمة والتَّناصح والتَّناصر.
هذا، وقدِ اهتَمَّ الإسلامُ بالإصلاح اهتمامًا بالغًا، وخاصَّةً فيما يتعلَّق بِذَاتِ بَيْنِ المسلمين، فكان في حدِّ ذاتِه مقصدًا من مقاصده الكبرى، وغايةً من غاياته المثلى، جسَّد هذا الإصلاحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في واقع حياته، وبِهَدْيِه القَوْلِيِّ والعَمَلِيِّ، مع الصَّحابة الكرام ي فحرص كلَّ الحرصِ على إيصالِ كلِّ نفعٍ حسيٍّ ومعنويٍّ لهم، ودفعِ كلِّ ضَرَرٍ وأذى عنهم، فنهاهم عن الاختلاف والتَّفرُّق والتَّشَتُّتِ، وأَمَرَهم بالبعد عن كلِّ أسباب الخصومة والعداوة والبغضاء، وقَطْعِ دابرِ الهجران والكفران، بأنواع شتَّى وطرقٍ متنوِّعة فاضتْ بها السُّنَّة النَّبويّةُ العَطِرَةُ، وذلك كلُّه رحمةً منه صلى الله عليه وسلم ورأفةً بالخلق، واستجابةً للخالقِ سبحانه وتعالى.
اللهم ألّف بين قلوبنا وبلغنا ليلة القدر بسلام يا رب العالمين.