كتب- مصطفى ياسين:
وصف المشاركون فى الاحتفال السنوى الرمضانى لـ”الرابطة المصرية”، مصر والشعب المصرى بأنه “سبيكة عصية” على التفتُّت، بفضل الله تعالى الذى حفظها ورعاها، ثم بـ”وعى” أبنائها وتصدّيهم لكل محاولات الفتنة والوقيعة، باحتمائهم فى “مصريتهم” ونسيجهم الوطنى الواحد.
جاء ذلك فى حفل الإفطار الرمضانى الذى أقامه الاتحاد العالمى للطرق الصوفية، بالتعاون مع “الرابطة المصرية.. مسلمون ومسيحيون لبناء مصر”، بمقر مشيخة الطريقة العزمية، برعاية السيد علاء أبو العزائم- شيخ الطريقة العزمية، رئيس الاتحاد والرابطة- وحضور جمع غفير من مختلف طوائف وفئات المجتمع المصرى، وممثلين عن بعض الدول العربية كالسودان ودول المغرب العربى.
فى البداية أوضح “أبو العزائم” أن الرابطة المصرية تأسست فى مايو 2011م لتكون منبرا شعبيا جديدا يستوعب جميع أطياف المجتمع المصرى- مسلمين ومسيحيين- ويلامس القضايا الوطنية سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وتضم ممثلين عن: الأحزاب، الحركات السياسية، الشخصيات الدينية- مسلمين ومسيحيين-، سياسيين وأدباء ومثقفين وصحفيين وإعلاميين وفنانين.
أضاف: تهدف الرابطة لطرح حلول مناسبة لكل المشكلات السياسية والاجتماعية، توعية الشعب بمصلحة أمّته وكيفية النهوض بها، تنظيم لقاءات الوحدة الوطنية، نشر الأخلاق الفاضلة والمعاملة الحسنة، التأكيد على عدم وجود “الآخر” فى مجتمعنا فنحن جميعا مصريين أولا وأخيرا، طرح حلول عاجلة لمشكلات: البطالة، الاقتصاد، الإسكان، الزراعة وغيرها، وعمل مشروعات خيرية مشتركة لصالح المجتمع وخدمة المحتاجين.
لقاء المحبة
وأشار د. عبدالهادى القصبى- شيخ مشايخ الطرق الصوفية، رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب- إلى أن هذا اللقاء يجمعنا على حب الله والوطن، مشيرا إلى تقارب منهجى التصوف والرهبنة، مستشهدا فى ذلك بموقف له مع البابا شنودة الراحل الذى سأله: أنت عارف بحبك ليه؟ فأجابه القصبى: لأنى أحبك أيضا. فقال له البابا: لأننا بنسبَّح زى بعض! ثم أخذ منه سِبْحَتَه، ودائما ما يذكر هذا الموقف تأكيدا على وحدة التوجّه لله.
أكد د. القصبى أن كلمة الوحدة الوطنية طعمها يختلف حين يُقصد بها المصريون لأنها تصبح أكبر من ذلك كعقيدة وإيمان وهبه لنا ربنا خالق الكون للإنسانية، مشدِّدا على أهمية “الوعى” لمواجهة أى مخاطر، خاصة وأن العالم تحدث لسنوات عن الوحدة والتعايش والفتن والخلافات، ثم انتقل بعد ذلك لمرحلة أخرى حتى وقوع الحرب العالمية الثانية التى خلّفت الدمار والخراب، فما أن بدأت الإنسانية تتخلّص منها إلا وظهر مصطلح الإرهاب الذى تلقَّى تمويلا دوليا يدعمه الحقد والحسد والكراهية وإعلام فاسد، وللأسف الشديد تم ربط ذلك المصطلح بالدين، والأديان كلها براء منه ومن كل سفك للدماء وأى دمار وخراب، فشريعة سيدنا موسى قالت (لا تقتل، لا تزنى، لا تسرق) ونفس الشئ مع سيدنا عيسى الذى أمر بالبعد عن القتل لأنه يوجب القضاء، بل أكثر من هذا فإن غضب الإنسان على أخيه يوجب حكم القضاء، فما بالنا بالقتل؟! ولأن البناء السماوى متكامل، جاء رسولنا الكريم، الرحمة المهداة بالقرآن مؤكدا “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” المائدة: 32.
وأشاد د. القصبى بموقف البابا تواضروس الثانى حين قال: (وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن)، مؤكدا أن هذا هو جوهر الحب لأن نفسًا لم يكمن الحب فيها لا تعرف معناها، فبالحب وصلت إلى الله.
دليل الإيمان
وأكد د. محمد محمود أبو هاشم- شيخ الطريقة الهاشمية، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب- أن حب الله والوطن هو دليل الإيمان وأقصر الطرق للوصول إلى الله، ولذا يقول سيدنا النبى: “لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِهِ، ووالدِهِ، والناسِ أجمعينَ”، وهناك الكثير من الحاديث التى تبين درجة المحبين والإيمان “أنت مع من أحببت”، فالمحبة هى أساس الأديان جميعا التى لا تفرِّق بين الناس، مشيرا إلى أننا نعيش أيام رمضان وكلها “ليالى قدر” لمن صام أو قام إيمانا واحتسابا ثم هناك الليلة الموعودة بنزول القرآن، فالشهر كله مجمع الخيرات للأمّة.
تجسيد الوحدة
ووصف المستشار “نجيب جبرائيل” المناخ الذى يعيشه المصريون حاليا بأنه “رائع جدا”، خاصة مع تعانق الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية، مشيدا بمواقف الرئيس عبدالفتاح السيسى المُجسِّدة للوحدة الوطنية على أرض الواقع، وكذا تصريحات فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب- شيخ الأزهر- بأن بناء الكنائس من صميم الأديان وليس مِنَّة أو مِنحة من أحد لأحد، مشيرا لموقف البابا تواضروس الثانى تجاه إخوتنا الفلسطينيين وما يواجهه الأقباط المصريون من اعتداءات إسرائيلية على كنيسة القيامة فى فلسطين ومنعهم من دخولها، وبطولتهم برفع العلم المصرى على دير السلطان بالقدس، فى حين تسمح سلطات الاحتلال للأحباش بالدخول! مؤكدا أن المصريين دائما وأبدا، سواء فى الداخل أو الخارج، هم “سبيكة” وقوة واحدة عصية على التفتّت.
الاستهداف
وحذَّر د. أحمد شوقى الحفنى- الخبير الاستراتيجى- من أن العالم العربى والإسلامى مُستهْدَف، وفكرة الاستهداف واحدة عبر العصور وإن اختلفت المسمّيات والوسائل فقط، فبعد الأسلحة النووية قيل وسائل تدمير مزدوجة، وتفنَّنوا فى تشكيل أنواع القوة، كالاقتصاد والفتن والشائعات وتفكيك المجتمعات، ومحاربة الناس تكنولوجيا بجعل دولهم متخلّفة علميا، وحدَّد وسائل الاستهداف بالآتى: إعلام يكوِّن فكرا وثقافات تشتّت العقول، بثّ الفتنة والفرقة الطائفية، تجنيد مجموعات مأجورة لإشغال داخلنا حتى نظل تحت سيطرة الخارج، لذا لابد من تركيز “القوى القومية” وهى مجموع القوى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والسياسية، مع الانتباه لوجوب تقوية “اللحمة الوطنية” وسدّ أى ثغرات ينفذ منها العدو، حماية للدولة وصيانة لمقدّراتها وشعبها.
خدمة الإنسانية
وأشاد د. أحمد جمال أبو العزائم- أستاذ الصحة النفسية- بجعل الدين فى خدمة المجتمع وإسعاد الإنسانية، فمن أجل ذلك جاءت الأديان جميعا، مؤكدا أننا بحاجة لمثل هذه الموائد الروحية والثقافية لحل كل مشاكلنا الحياتية.
وأكد نجيب الجزيرى أن المصريين كانوا أقباطا قبل المسيحية وبعد الإسلام، فالأصل هو مصر، أما دون ذلك فهو من صنّاع الفتنة وكارهى الوطن، ودورنا مواجهتهم بالوعى والمحبة والدفاع عن الوطن صفا واحدا خلف القيادة الرشيدة التى تسعى لتحقيق “حياة كريمة” لخلق إنسان جديد يليق بمصر.
وقال الفنان رمزى العدل: نحن جميعا مصريين قبل أن نكون مسلمين أو مسيحيين، لأن مصر جاءت ومن بعدها التاريخ، ولم يختر أحدا دينه وعقيدته، لذلك علينا العيش على هذه الأرض المباركة كمصريين أولا وأخيرا، ثم لتكن أى تفاصيل أخرى كبشر لكن لا تفرّقنا سياسة ولا عقيدة.
وقالت الكاتبة فاطمة ناعوت: نجتمع دائما فى هذا اللقاء على المحبة والتحضّر والإنسانية والسمو الذى هو جوهر تقدّم الإنسان وما يريده الله منّا، لأن غياب المحبّة هو أصل جميع الشرور فى العالم.