وعنايتنا بسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) تأتي من منطلق إيماننا بكتاب ربنا (عز وجل) .
خلال كلمته في الاحتفال بليلة القدر لعام ١٤٤٣ هـ – ٢٠٢٢م أكد أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن الاحتفاء بالقرآن حق الاحتفاء به يقتضي أن نتخلق بأخلاقه ، ونتأدب بآدابه . كما اكد أن عنايتنا بسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) تأتي من منطلق إيماننا بكتاب ربنا (عز وجل) .
وهذا نص كلمته:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).
سيادة الرئيسِ/ عبد الفتاح السيسي رئيسِ جمهورية مصر العربية.
معالي الدكتور المهندس/ مصطفى مدبولي رئيسِ مجلس الوزراء.
فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر.
الحضور الكريم
يطيب لي أن أهنئ حضراتكم جميعًا بهذه المناسبة العظيمة مناسبة الاحتفال بليلة القدر ، سائلا الله (عز وجل) أن يبلغنا جميعًا إياها ، وأن يجعلها ليلة مباركة علينا وعليكم على مصرنا العزيزة وسائر بلاد العالمين .
وبعد :
فقد أنزل الله (عز وجل) كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، على خير خلقه خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، في ليلة وصفها سبحانه وتعالى بأنها ليلةٌ مباركة إكرامًا لنزول القرآن الكريم بها ، وجعلها سبحانه خيرًا من ألف شهر ، وكأنه سبحانه وتعالى يلفت نظرنا إلى اختصاصنا بهذا الكتاب وتلك الليلة ، مما يستوجب منا شكر هاتين النعمتين ، وما اجتماعنا هذا احتفاءً بليلة القدر وتكريمًا لأهل القرآن إلا مظهر من مظاهر هذا الشكر، في دولة خدمت القرآن الكريم وتربعت على عرش تلاوته جيلا إثر جيل، وجعلت من تكريم حفظته وإكرامهم خطًّا ثابتًا لا تحيد عنه ، من جيل العمالقة الشيخ/ محمود خليل الحصري ، والشيخ/ عبد الباسط عبد الصمد ، والشيخ/ محمود صديق المنشاوي، والشيخ/ محمود علي البنا ، والشيخ/ مصطفى إسماعيل ، وغيرهم من عشرات القراء الذين بلغت أصواتهم عنان السماء ، إلى جيل معاصر لا يقل شأنًا ولا درجة عن هؤلاء العمالقة .
وإني لأؤكد سيادة الرئيسِ أننا نقدم بين يدي سيادتكم اليوم نماذج مشرفة من بين عشرات بل مئات الأئمة وغيرهم الذين وصلوا في درجة الحفظ والإتقان إلى مستوى لا يُنافَسون فيه ، من واقع امتحانات واختبارات متراكمة ومتعددة أهّلتهم لتلك الدرجة من الإتقان ، فضلا عما منَّ الله (عز وجل) به على بعضهم من صوت ملائكي عذب ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
كما يشرف اليوم بتكريمكم ثلاثة من أسرة واحدة هم جميعًا من كبار الحفظة ، وهي أسرة من بين سبع أسر فازت في مسابقة الأسرة القرآنية لهذا العام .
ولم يقف بنا الأمر عند حدود الحفظ فحسب ، فقد ضمنَّا مسابقاتنا القرآنية جانبًا من تفسير القرآن الكريم وفهم معانيه ومقاصده العامة ، وأقمنا لذلك مسابقات خاصة ، وعنينا بترجمة معاني القرآن الكريم فتمت ترجمته هذا العام إلى ثلاث لغات جديدة ، هي الأرديةُ واليونانيةُ وقد تمت طباعتهما ولغةُ الهوسا وهي قيد الطبع ، وستصدر خلال أيام بإذن الله تعالى .
وقد راعينا في هذه الترجمات ما وجهتنا به من الإشارة في مقدمة هذه الترجمات إلى أننا اجتهدنا أقصى طاقتنا في تقريب المعنى، مؤكدين أن هذه الترجمة تأتي في حدود فهمنا للنص القرآني وقدرتنا على ترجمته ، ويبقى للنص عبقه وأصالته وعطاؤه الذي لا ينفد ، والذي لا يحيط به بشر ، فالقرآن الكريم معطاء إلى يوم القيامة يعطي كل جيل من الفيض مقدار عطائهم له وعنايتهم به وخدمتهم إياه ، فهو الكتاب العزيز الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يحيط به عالم مهما كان شأنه ، وهذا من عظيم إعجازه ووجوه صلاحيته لكل زمان ومكان إلى يوم الدين ، وواجبنا إنما هو إعمال العقل في فهم النص في ضوء فقه الواقع ومعطياته ومستجداته في كل ما هو محل للاجتهاد من أهل الاجتهاد والنظر والفهم الصحيح المعتبر ، ومن ثمة أؤكد على أمرين:
الأول: أننا لم نحتف بالقرآن حق الاحتفاء إذا لم نتخلق بأخلاقه ونتأدب بآدابه ، والآخر: أن عنايتنا بسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) تأتي من منطلق إيماننا بكتاب ربنا (عز وجل) ، فهي المصدر الثاني للتشريع ، ولا غنى عن الرجوع إليها في فهم ديننا وتطبيقه ، وإلا فمن الذي علمنا وبين لنا أن صلاة الصبح ركعتان وصلاة المغرب ثلاث ركعات ، وبين لنا أنصبة الزكاة ، وعدد أشواط الطواف والسعي ، وعدد رمي الجمرات وتوقيتها ، إنها سنة الحبيب (صلى الله عليه وسلم).
وهذا ينقلني إلى النقطة الأخيرة ، وهي عناية سيادتكم بإعداد جيل من الأئمة المفكرين القادرين على قيادة الرأي الديني العام المستنير المنضبط بلا إفراط أو تفريط ، متسلحين بأعلى الدرجات العلمية والتأهيل العلمي والفكري والثقافي الذي يجعل منهم بحق حملة مشاعل الفكر المستنير وبناة الوعي الرشيد الذي يسهم في تقدم الأمم ورقيها ويحقق لأبنائها سعادة الدارين.
فعملنا في ضوء توجيهات سيادتكم ورعايتكم بخطى ثابته في مجال التدريب والتأهيل من خلال برامج متعددة بأكاديمية الأوقاف الدولية لتدريب الأئمة والواعظات وإعداد المدربين التي خرّجت أربع دفعات وتستعد لاستقبال الدفعة الخامسة ، وبالتعاون مع مشيخة الأزهر الشريف من خلال دورات التميز الدعوي المشتركة لوعّاظ الأزهر وأئمة الأوقاف بأكاديمية الأزهر الشريف لتدريب الأئمة والوعاظ وأمناء الفتوى ، ومن خلال التعاون مع الأكاديمية الوطنية للتدريب ، وأكثر من عشرين جامعة ، والعديد من جهات ومؤسسات الدولة المعنية بذلك ، ودفعنا بأكثر من خمسة آلاف إمام حتى الآن في مجال الدراسات العليا ، وانتهينا بفضل الله (عز وجل) من وضع التصور الأوّلي للبرنامج المتقدم الذي وجهتم سيادتكم به لإعداد جيل متميز من الأئمة المفكرين القادرين على الانطلاق في مجال الاجتهاد بما يجدد لهذه الأمة أمر دينها ، من منطلق حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إنَّ اللَّهَ يبعثُ لِهَذِهِ الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها”.
وإذ تبنيتم سيادة الرئيسِ الدعوة المتكررة إلى تجديد الخطاب الديني وتصحيح مساره فإننا نؤمل أن يُتِمَّ الله (عز وجل) ذلك على أيديكم بتبنيكم ورعايتكم هذه النخبة وهذا البرنامج الذي يعد نواة لإعداد جيل جديد بل أجيال متتابعة من أئمة وعلماء المستقبل شديدي التميز بحيث يكونون قادرين على الاجتهاد ، في فهم مستنير لأصول ديننا من جهة وواقعنا المعاصر من جهة أخرى ، وعلى الربط بين هذا وذاك وإنزال الأحكام الشرعية على مظانها من الواقع ، بما يحمل الخير لدينهم ووطنهم وأمتهم والبشرية جمعاء .