بقلم :د.أحمد سليم عوض
هو أول وأبرز من وضع الفهارس الدقيقة لألفاظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وحياته وإنتاجه القيم والرائع نموذج أمثل للمجاهد في سبيل العلم، فقد قام وحده بما تقوم به المؤسسات، وتمكن بدأبه وصبره من أن ينفذ بدقة شديدة ما تعجز نظم المعلومات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات عن تنفيذه إلا بمعونة نخبة كبيرة من القادرين على الفهم والإعداد والبرمجة والتصنيف، وهو عند القراء والمثقفين سيد المحققين والمترجمين ولا تخلو مكتبة علمية من عدد من مؤلفاته التي تحتل المكانة البارزة في قسم المراجع من أي مكتبة علمية، وقد كان شديد الثقة بجهده الدائب، وبدقته، وبحرصه على الصواب، و قد صور هذا المعني في ما كتبه في مقدمته للمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم حيث وصف عمله بأنه أدق عمل بعد كتاب الله سبحانه وتعالى
هو محمد فؤاد بن عبد الباقي بن صالح بن محمد. ولد في مارس ١٨٨٢م بمصر، في إحدى قرى محافظة القلیوبیة، َ نشأَ في القاهرة، بحي السیدة زینب، اشتغل مدرسا للغة العرببه وناظراُ ًوعمل مترجما عن الفرنسیة في البنك الزراعي ثم انقطع للتألیف، والتحقیق، والترجمة .وقد ُ وصفت ابنة أخیه د نعمات احمد فؤاد حياته ان السبب في عدم استقراره في وظیفة واحدة أنه كان يمل الوظائف، حيث أن كتبه التي قدمها ورائها صبر طویل، وجهد دؤوب، وطاقة الدقة والإتقان؛ وأشواق حمیمة إلى الكمال وإضافة علمیة في میدان اللغه والدين ، تحسب لمصر، وعطائه ، كما توسع في دراسة الإنجليزية فالتحق بمدرسة «برلتز». ومع هذا فإنه كان من المخلصين في حب الخلافة الإسلامية في بدء شبابه حيث عاصرها، ونظم فيها شعرا، كما كان عاشقا للتأنق، وراغبا الكمال في كل شيء، وكان لا يكتب التوقيت ولا التاريخ إلا وفقا للتوقيت العربي تأسيا بالنظام العربي الإسلامي، وتنظيما ليومه وفق الفرائض الإسلامية، والسنن الكونية، وكان أكثر ما يثير غضبه الخطأ في الدين، وعدم الأمانة في العلم، كما كانت سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم هي أكثر ما يهز وجدانه، ويثير مشاعره رقة وحنانا.وحياةُ الرجلِ الخاصةُ تدخل في باب الغرائب ؛ فنحن في مصر نسميه ( صائم الدهر ).. فهو يصوم العام كله لا يفطر فيه إلا يومين اثنين هما : أول أيام عيد الفِطر .. وأول أيام عيد الأضحى وطعامه نباتي : فهو أول كُل شهرٍ يشتري ثلاثين علبةً محفوظةً من الخضروات دفعة واحدة .. فالفاصوليا لِيوم كذا، والبازلاء لِيوم كذا … إلخ .وهو يصوم بغير سحُور؛ أي أنه يتناول وجبةً واحدةً كُل أربعٍ وعشرين ساعة ، ويبدأ فطوره بِملعقتين من العسل الأبيض، ثم “علبة اليوم “، ثم الزبادي والفاكهة وفنجان القهوة ، ويكون هذا بالطبع بعد أذان المغرب
وفي تمام الساعة العاشرة بالضبط يشرب كوباً من الماء ، وبهذا تنتهي صِلتُه بالطعام والشراب حتى مساء اليوم التالي … وبهذا تتحقق رغبتُه في ألا يكلف إنساناً من أهل بيته مشقةً ما في طعامه أو شرابه .وحجرته الخاصة التي تضم مكتبته الكبيرة بها عِدةُ مناضد ، على اثنتين منها غطاءاتٌ من البلاستيك ومجموعةٌ من الأكواب والصواني ، بل إن كُل شيءٍ في هذا الحجرة التي تكون عالمه الخاص مجموعات : الكتب .. المناضد .. الصور .. الأدوية .. الأقلام .. الساعات ..
وهو محافظ في كل شيءٍ ؛ فزيُه يتكون من البدلة الكاملة صيفاً وشتاءً .. لا يستطيع حر الصيفِ أن ينحي الكرافت أو الدبوس ، كما لا تستطيع مواضعاتُ العصر أن تمس المنديل الأبيض في جيبه ، أو الطربوش القاني على رأسه ، أو العصا الأنيقة في يده .وهو أنيقُ المظهر ، بل لو اتفق لك أن تراه على سجيته في بيته -ولو على غير ميعاد- استرعى بصرك أناقتُه أيضاً في المنامة ذات اللون السكري والشريط الأزرق على الأطراف ، وغير هذا مما فيه انسجام الألوان .وهو زاهد في الاجتماعات والتعارف ، والرجل يفسر هذا وكأنه يعتذر : إن التعرف إلى الناس تقوم تبعاً له على الأثُر حقوقٌ لهم والتزاماتٌ واجبة الرعاية والوفاء ، وليس عندي وقتٌ لهذا ولا أنا أطيق التقصير فيها لو لزِمتني.
من مؤلفاته ” المعجم المفهرس للحديث النبوي ” يقوم على رد ألفاظ الأحاديث في أشهر وأصح كتب الحديث. و ترجمة كتاب ” مفتاح كنوز السنة ” وقد طبع في مصر .* وترجمة كتاب ” تفصيل آيات القرآن الحكيم ” عن جول لابوم “وقد طبع في مصر والمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ‘اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان , وهو أصح كتاب في الحديث نظراً لأنه جمع مااتفق عليه مسلم والبخاري و معجم غريب القرآن .وهو عبارة عن شرح الألفاظ الغريبة التي أوردها البخاري في صحيحه ,والبخاري بدوره كان قد أخذ هذه الألفاظ من كتاب ” مجاز القرآن “لأبي عُبيدة ..كما قام بشرح وفهرسة كتب :موطأ الإمام مالك .وسنن ابن ماجه وصحيح مسلم .وتخريج الأحاديث والشواهد الشعرِية الواردة في كتاب “شواهد التوضيح والتصريح لابن مالك “.وتخريج الأحاديث والشواهد الشعرية في ” تفسير القاسمي “.وله من الكتب المخطوطة التي لم تنشر وهي كتاب ” أطراف الصحيحين “.. وهو من ألف صفحةٍ من القطع الكبير وفيه اضطلع بتجميع أحاديث البخاري . ومن تحقيقاته ِالخاصة َلكتب التراث ُ ُصحیح مسلم، و سنن ابن ماجه و ِ الموطأُ، للإمام والأدب المفرد للإمام وشرح الزرقاني على الموطأ والجامع الصغیر، للإمام جلال الدین السیوطي َو شواهد التوضیح والتصحیح، في حل مشكلات الصحیح، لابن مالك.اما من تحقيقاته ِ المشتركة َمع ْآخرين فتح الباري بشرح صحیح البخاري،و سنن الإمام الترمذي اما ترجماته ِلكتب َالمستشرقين ُ فقد ترجم مفتاح كنوز السنه المستشرق الهولندي فنسنك والمعجم المفهرس لألفاظ الحدیث النبوي، لمجموعة من المستشرقين وترجمه كتاب تفصیل آیات القرآن الحكیم، للمستشرق الفرنسي جول لابوم.
ومحمد فؤاد عبد الباقي كان في مصر مرجِع كُل من يُلِم في كتابته بأمرٍ من أمور القرآن أو الحديث ، لا يُستثنى من هذا كبار الكُتاب أو العمالقة .. وقد رجع إليه الدكتور طه حسين عندما كتب كتابه “علي وبنوه “.. كما رجع إليه الدكتور هيكل في كتابه عن عمر، ورجع إليه الأستاذ العقاد فيما يتعلق بصحيح الأحاديث.َ ْ
وقد توفي في القاهرة في 22 فبراير سنة 196٨