“هوس التريند” سيطر على الشباب.. و”السوشيال ميديا” تلعب دوراً كبيراً في نشر الدموية
حوار: فتحي الدويدي
تصوير عبدالهادي جمال
حذر د. وليد رشاد- أستاذ مساعد علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- من مخاطر السوشيال ميديا والإعلام الجديد في نشر العنف، خاصة مع انعدام الرقابة عليها، مطالبا بالتكاتف لمواجهة حوادث العنف وتعريف الشباب بمخاطر السوشيال ميديا وتأثيرها في الترويج للجرائم العنيفة التي صدمت المجتمع المصري مؤخراً.
وأكد أن تراجع الوعى الديني والأخلاقي أحد أهم أسباب انتشار العنف والجريمة، بخطاب ديني يواكب التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري لمواجهة المشكلات العصرية وسبل التعامل معها وانتاج أعمال درامية للتصدي للعنف ومخاطبة الشباب بلغتهم .
وأشار في حواره مع “عقيدتي” إلى أن هناك علاقة بين العنف وعدد من الظواهر الاجتماعية، وعلى رأسها الإدمان والبطالة، مشددا على ضرورة التعامل مع هذه الحوادث بقدرها، نتعامل معها كمشكلات واقعية حتي وان كانت قليلة العدد، فهي أيضا خطيرة تستدعي وضع حلول لها ومكافحتها ومواجهتها.
وفيما يلى نص الحوار.
*برأيك هل تحول العنف إلى ظاهرة تحتاج التصدي خاصة مع ما يشهده المجتمع المصري من جرائم، أم هى حالات فرية؟
** لا يمكن أن على الإطلاق ان نصف ما يحدث بالظاهرة الاجتماعية، لأنها لو ظاهرة فهذا يعني أننا هنا في منعطف خطير، وكذلك لا يمكن أيضا أن نقول أيضا أنها حالات فردية تستحق التهوين .
نحن نحتاج أن نتعامل مع هذه الحوادث بقدرها، لا نريد أن نقول أنها حوادث فردية، بالقدر الذي يدفعنا للاستهتار بها، ولا نعطي لها الاهتمام الكافى في المواجهة والتقدير، ولا ان نقول إنها ظاهرة اجتماعية منتشرة بحيث انها تهدد الأمن والاستقرار المجتمعي والكيان الاجتماعي.
وأري ان تعامل مع الأمر بواقعية، كمشكلات واقعية حتي وان كانت قليلة العدد، فهي أيضا خطيرة تستدعي وضع حلول لها ومكافحتها ومواجهتها.
جرائم عنيفة
*شهدت جرائم النفس (القتل) الاخيرة أسلوبا فظا وأكثر عنفا في تنفيذها، كيف ترى هذا الأمر؟
** الجريمة هي الجريمة على جميع الحقب الزمنية الماضية، وفي كل المجتمعات، وليس مجتمعاتنا فقط، فلا يوجد مجتمع مثالي خال من العنف، وفي علم الاجتماع مقولات تفسر هذا الكلام، فمثلا ابن خلدون يقول “قد لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير”.
وإذا كنا نعتقد أن الجريمة في الوقت الحالي يختلف شكلها، فهذا يرجع لأنها صادرة عن جيل مختلف، فالشباب يحاول أن يبحث عن كل ما هو غير مألوف، ونجد أنه تعامل يخرج عن قيم المجتمع والعادات والتقاليد المألوفة، وأغلب من يرتكبون هذه الجرائم من الفئة من مواليد ما بعد منتصف التسعينيات حيث تتمحور هذه الجرائم في هذه الفئة العمرية الصغيرة، فالجرائم شكلها مختلف، لان هذه هى طبيعة حياة الجيل الذي نشأ على التكنولوجيا، فهو جيل يبحث عن كل ما هو غير مألوف في كل شئ، حتي في الجرائم التي يرتكبها، ونحن نربطها بثقافة الجيل الموجودة، ثقافة تخرج عن كل ما هو غير مألوف، حتي في الحياة الواقعية، والحياة اليومية، والتعامل مع السوشيال ميديا الشكل والمظهر والأسلوب والتعامل، لان الشباب يبحث عن “التريند” أو الشهرة من خلال الخروج عن المألوف .
لذا نجد أن جرائمه تعتبر غير مألوفة، فهو يتجه إلى العنف الذي يمارسه في الألعاب الإلكترونية أو غيرها من الالعاب الأخرى.
سلبية الدراما
*هناك اتهامات للدراما ونجوم سينما بعينهم تسببوا انتشار العنف، هل تعتقد ان تلعب الدراما هذا الدور السلبي؟
** لا شك ان الدراما تلعب دوراً سلبيا في نشر العنف والترويج للجريمة، وهذا الدور السلبي يرتبط بثقافة التقليد، فالشباب يحاول تقليد ما يشاهده، خاصة النشء الصغير الذي هو في طور التكوين، هذا الشباب مثل “الإسفنجة” يمتص كل شئ.
نحن نحتاج رقابة علي الدراما، لان كثيرا من الشباب يتجه إلى تقليد ما يشاهده في المسلسلات والافلام، وهناك تجارب مهمة لبعض الدول في التصدي للعنف ومحاربة القيم السلبية في الدراما.
هوس التريند
*ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يسمي بالإعلام الجديد بدور كبير في تسليط الضوء على مثل هذه الجرائم لدرجة اننا نري هناك من يهتم بالتصوير والنشر. ولا يكون له دور في التصدي للمجرم أثناء تنفيذ جريمته، ماذا عن تقييمكم لهذا الأمر؟
** بلا شك أن هناك دورا كبيرا لوسائل التواصل الاجتماعي في انتشار هذه الجرائم، فالمشاهد التي نراها وما يتم تداوله وتصويره ونشره يولد مزيدا من العنف، وهذه قاعدة “نشر العنف يولد العنف”، فنشر العنف يجعل العنف مألوفًا في أذهان الناس، فبالتالي لا يقلق من الجرائم ولا يتأثر بها بل يؤيدها.
وما يطلق عليه “صحافة المواطن” تلعب دوراً كبيراً في نشر الأحداث الدموية، خاصة ما يأخذ صفة “التريند”، فلها تأثير كبير وليس محدودا، وثقافة الصورة باتت هى المسيطرة علينا، وهناك شباب كثير يخوضون تجارب مأساوية عند التصوير، فالبعض منهم يتعرض لمخاطر تتسبب في هلاكه أو تعرضه للخطر، ولأن الصورة اصبحت أسلوب حياة لعدد كبير من أبناء هذا الجيل، فلذلك نجد أن هناك من ينشغل بالتصوير عن التصدي للجريمة ومساعدة الضحية، لان “هوس التريند” والسوشيال ميديا خلقت نوعا من التغيير القيمي والثقافي لهذا الجيل.
تغير مجتمعي
*وهل تطور جرائم النفس وانتشار العنف دليل على تغير الشخصية المصرية التي كان العالم يتحدث عن سماحتها ونيلها؟
** نعم هناك تغيير في الشخصية والمجتمع المصري، خاصة أن التغيير سنة الحياة، لكن ليس بالقدر الذي نتكلم فيه عن عموم مطلق، ونقول أن الشخصية المصرية باتت تتسم طابع عنف أو طابع الجريمة، هذا ليس صحيحا تماما، لا نستطيع أن نقول هذا، لأن الشخصية القومية لا تزال بخير رغم التطورات العاصفة التي تحدث حولنا والتنامي التكنولوجي الكبير والسريع والقنوات الفضائية والانفتاح على العالم والازمات العالمية وتداعياتها، فالجرائم التي تحدث لا نستطيع ان نقول انها لعبت دورها في التأثير على الشخصية، لان هذه الجرائم لم تصل لدرجة الخطر، لكن خطورتها في الاسلوب الذي تنفذ به.
ونقول أنه ليس هذا العدد من الجرائم الذي قد يؤثر في الشخصية المصرية .اننا نحتاج الى مشروع قومى لرصد التغيرات والتحولات التى طرأت على الهوية والشخصية المصرية ورصدها وتحليلها بشكل علمى لنقف على الثابت والمتغير فى هذه الشخصية.
تأثير سلبي
*وماذا عن اهم اسباب انتشار العنف المجتمعي خاصة بين فئات الشباب؟
** هناك أسباب مباشرة لوقوع هذه الجرائم بهذا الشكل، ومن أبرزها السوشيال ميديا والمجتمع الافتراضي والإعلام والدرما كما ذكرنا سابقا، كما أن هناك اسبابا أخرى غير مباشرة تتمثل فى تراجع وغياب الوعى بقيم الأسرة لدى الشباب، وتراجع الرقابة والهيمنة الاسرية وتراجع الشعور بالمسئولية لدى الشباب، والفراغ الفكري لدى الشباب ومواقع التواصل الاجتماعي.
وهناك الامراض والاضطرابات النفسية وايضا الاسباب الشخصية والامراض السلوكية كل هذا يؤدي الي انتشار العنف والجريمة.
*وما مدي علاقة العنف بظواهر اجتماعية أخري مثل الإدمان والبطالة؟
** بكل تاكيد هناك علاقة بين العنف وعدد من الظواهر الاجتماعية، فهناك الكثير من الجرائم ترتكب تحت تأثير المخدر، والادمان من ضمن أهم واخطر الاسباب في ارتفاع نسبة الجريمة وانتشارها، اضافة إلى الاحباط نتيجة البطالة، وكذلك الفراغ عند الشباب، وضعف التنشئة وغياب الرقابة الأسرية .
خطاب عصري
*وكيف تري علاقة العنف بالبعد عن الدين؟ وماذا عن دور المؤسسات الدينية في مواجهة العنف؟
** الدين دوره مهم جدا في بناء الوعي، وبناء الشخصية في الحفاظ علي القيم، وتراجع التفكير الديني له تأثير كبير بلاشك على المجتمع، لذلك فنحن بحاجة لإنتاج خطاب دينى يواكب التغيرات التى طرأت على المجتمع المصرى لمواجهة المشكلات العصرية.. فعلى سبيل المثال، لماذا لا نري خطيب الجمعة يتحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي؟ عندها سنجد الكثير من الشباب ينتبه جيدا من بداية الخطبة لنهايتها.
يجب ان يتابع هذا الخطاب الديني وأسلوب الوعظ التطورات المتلاحقة، نحتاج إلى داعية عصري يستطيع أن يصل إلى الشباب لتنمية الوازع الديني لديهم، خاصة مع تراجع النزعة الدينية التي قد أدت إلى كثير من المشكلات في المجتمعات.
رؤية للمواجهة
*وكيف نواجه هذه المستجدات التي طرأت على المجتمع والتصدي للعنف الجديد؟
** نحتاج إلى تكاتف جميع مؤسسات الدولة والمراكز البحثية لمواجهة هذه المستجدات، ومواكبة التغيرات التى طرأت على المجتمع المصري لمواجهة المشكلات العصرية وسبل التعامل معها، وإنتاج أفلام تسجيلية وأعمال درامية لمعالجة مشاكل الأسرة ومخاطبة الشباب بلغتهم، وتطوير مناهج التعليم تحاول بقدر الامكان لنشر القيم الاجتماعية التي تحسن من السلوكيات النشء والجيل الجديد.
وهناك دور مهم لمؤسسات الوعظ الديني في المساجد والكنائس لتبني خطاب ديني حديث ومتطور يراعي كل هذه الابعاد والمستجدات، وكذلك نحتاج سياسات اعلامية رشيدة تحاول اظهار القدوة، وانتاج مضامين اعلامية تجذب الشباب وتوجههم وتقدم نماذج ايجابية وتدعمها ومواجهة النماذج السيئة، وتكاتف الجهود الأمنية والثقافية والاعلامية لمواجهة الادمان، وتقديم الفن الراقي والتركيز علي الانشطة الشبابية في مراكز الشباب والمدراس والجامعات لشغلهم بطريقة ايجابية.