مصر وأذربيجان نماذج رائدة للجمع بين الحضارة والمعاصرة
حوار: مصطفى ياسين
أكد د. إميل رحيموف (المستشار الإعلامي والثقافي لسفارة أذربيجان بالقاهرة) عودة الأذان إلى مدينة شوشا التاريخية بعد غياب دام 28 عاما فى ظل الاحتلال الأرمينى لها، واصفا أذربيجان ومصر بأنهما رائدتان فى تقديم التجربة الثرية التى جمعت بين إرث الحضارة الإسلامية من ناحية، والعصرنة من ناحية أخرى، لتؤكدان للجميع أن الإسلام لا يتعارض مع مقتضيات العصر ومتطلباته، وإنما الانغلاق الذى أصاب الأمة الإسلامية فى فترات تاريخها المظلم هو الذى يتعارض مع متطلبات العصر.
وأشار إلى أن العلاقات المصرية الأذربيجانية تعيش حالة من التطور والازدهار في كل المجالات الحياتية ، خاصة في ظل توجيهات قيادة البلدين الشقيقين، للرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس إلهام علييف، بل إنها ستشهد مزيدا من التعاون الاستراتيجي في المستقبل القريب نظرا لتقارب وجهات النظر فى العديد من القضايا المشتركة، ولتحقيق مصالح الشعبين، واصفا العلاقات بين البلدين الشقيقين بأنها تاريخية وتتطلع لتوثيقها وتعميقها فى المستقبل القريب إن شاء الله.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجرى معه، قبيل انتهاء مدة عمله كمستشار اعلامى لسفارة أذربيجان بالقاهرة.
*كيف تري العلاقات المصرية الأذربيجانية؟
** نشهد هذا العام مرور ثلاثة عقود تجمع أذربيجان ومصر في تقارب مستمر وتعاون دائم، تعززهما المشتركات التاريخية والروابط الشعبية، والتفاهمات السياسية حيال العديد من القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، فضلا عما يربطهما من قيم ثقافية مشتركة وعادات وتقاليد متقاربة، تضرب بجذورها في أعماق الماضى.
ولذا، ليست مصادفة أن تكون مصر في مقدمة الدول التي اعترفت باستقلال جمهورية اذربيجان فى ديسمبر 1991، لتكتمل تلك الخطوة بتبادل التمثيل الدبلوماسي بينهما في أبريل 1992، وهو ما كان بمثابة الخطوة التمهيدية للزيارة التاريخية التي قام بها الزعيم حيدر علييف رئيس جمهورية أذربيجان، إلى مصر 1994، والتي مثلت نقطة الانطلاق في مسيرة العلاقات بين البلدين، عبَّر عنها حجم الاتفاقات الموقعة بينهما وتنوع مجالاتها، إذ شهدت علاقاتهما منذ ذلك الحين تطورا ملفتا اتخذ منحى تصاعديا في مستواها، توج بالزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الاذربيجانى إلهام علييف في مايو 2007، والتي استكملت خطوات المسيرة التعاونية بين البلدين، على النحو الذى تم خلالها عقد اجتماع لأعمال اللجنة المصرية الاذربيجانية المشتركة الأخرى في 27 ديسمبر من العام ذاته، وذلك بهدف البحث في سبل التعاون ودفع العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، وقد تم خلالها الاتفاق على إقامة عدد من المشروعات الاستثمارية والصناعية المشتركة، ومع العمل على تفعيل أعمال اللجنة بشكل دورى وصولا إلى عقد الدورة الخامسة متزامنا مع الاحتفال بالذكرى الثلاثين لقيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، خاصة بعد التوجيهات الرئاسية من قبل البلدين، بقيادة الرئيسين إلهام علييف وعبدالفتاح السيسى، إذ شهدت العاصمة باكو فعاليات هذه الدورة برئاسة د. رانيا المشاط، وزير التعاون الدولي، عن الجانب المصري، ورشاد نبييف وزير النقل والتنمية الرقمية عن الجانب الأذربيجانى، كما تم في إطارها انطلاق عمل منتدى الأعمال المشترك (المصرى الآذربيجاني). ويذكر أنه خلال فعاليات هذه الدورة الخامسة تم التوقيع على خمس وثائق للتعاون في مجالات التنمية المختلفة، حتى وصلت عدد الوثائق إلى ما يزيد على خمسين اتفاقية خلال ثلاثين عاما.
رؤية ثاقبة
*إلام ترجع هذه العلاقات المتميزة بين البلدين؟
**غنى عن القول إن ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين من تقارب واضح كان نتاجا للرؤية الثاقبة التي يحملها قادة البلدين بشأن أهمية العمل على تعزيز التفاهم والتعاون بين بلديهما؛ تلك الرؤية التي انعكست على ما اتخذته حكومتا البلدين من قرارات وما تبنته من سياسات وما انتهجته من خطوات، دفعت إلى توسيع مجالات التعاون، كان من أبرزها الموافقة من الجانبين على الاتفاق الحكومى بشأن إلغاء تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية أو الخاصة أو المهمة، تلك الخطوة التي كانت بمثابة إجراء من شأنه تسهيل حركة المسئولين من ناحية، وإعطاء المرونة في التعامل بين الدولتين من ناحية أخرى.
كما أنه تم استئناف الرحلات المباشرة والمنتظمة بين البلدين بواقع رحلة واحدة أسبوعية من منتصف مارس الماضى (2022) بعد توقف بسبب تفشى جائحة كوفيد 19، إذ تعد هذه الخطوة مهمة في سبيل دفع حركة السياحة الوافدة من أذربيجان إلى المدن السياحية المصرية.
كما أن الاحتفال بالثلاثين عاما على علاقات البلدين قد جاء متزامنا أيضا مع الاحتفال بالنصر المبين الذى حققته جمهورية أذربيجان ونجحت في استعادة أراضيها المحتلة من قبل جمهورية أرمينيا في معركة لم تتجاوز الأربعة والأربعين يوما، كانت معركة اذهلت العالم، وكيف نجحت القوات الآذربيجانية في الوصول إلى تلك المناطق الجبلية الوعرة لتستعيد حقها في أرض الأجداد. إذ يمكن القول إن هذه المعركة سوف تضاف إلى سجل المعارك التي تدرسها الاكاديميات العسكرية والأمنية للاستفادة من خططها وتكتيكاتها.
جوهر القول إن العلاقات الأذربيجانية المصرية كما انها علاقات تاريخية تجمعها العديد من المشتركات، فإنها علاقات تعززها العديد من مجالات التعاون؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا ودينيا. إذ يكفى النظر إلى حجم الاتفاقات الموقعة بين البلدين، وحجم الزيارات المتبادلة على مستوى كبار المسئولين من جانب، ومستوى الباحثين والإعلاميين والخبراء والمتخصصين من جانب آخر.
ونجدد تأكيدنا على أن مقبل الأيام ستشهد مزيدا من التعاون الأذربيجانى المصرى في ظل ما تحمله قيادات البلدين من رؤى دافعة للمستقبل، وما تحرص عليه حكومتا البلدين من توسيع مجالات التعاون وتنفيذ الاتفاقات الموقعة، وما يجمع الشعبين من تراث ثقافى مشترك.
التراث الأذرى
*ما هي أبرز المعالم التاريخية في بلدكم؟
**أكبر المعالم في أذربيجان وتحمل معنى الثقافة كلها في البلاد هي شوشا الأذربيجانية.. درة التاج، وبعد ما يزيد عن عام على الانتصار الذى حققه الجيش الأذربيجاني في معركة المصير نحو استعادة أراضيه المحتلة على مدار ما يقرب من ثلاثين عاما، أصدر الرئيس إلهام علييف في أوائل يناير المنصرم (2022) قرارا تاريخيا بشأن مدينة شوشا الأذربيجانية التي تعد درة التاج في معركة النصر، اذ أعلن أن 2022 هو عام شوشا في جمهورية أذربيجان، مسترشدا كما جاء في قراره بالفقرة 32 من المادة 109 من دستور أذربيجان، وبمراعاة الأهمية التاريخية والقيمة الثقافية والروحية العالية لشوشا لشعب أذربيجان، ومكلفا في الوقت ذاته مجلس الوزراء الأذربيجاني أن يطور وينفذ خطة العمل المتعلقة بـ”سنة شوشا”، مستكملا بذلك قراره السابق الصادر في السابع من مايو 2021، بإعلان مدينة شوشا عاصمة للثقافة الأذربيجانية.
وغنى عن القول إن استعادة شوشا كانت مرحلة فاصلة في معركة النصر كما أعلن ذلك صراحة الرئيس إلهام علييف حينما وجه خطابه في الثامن من نوفمبر 2020 إلى الشعب الأذربيجاني معلنا بكلمات واضحة وبفخر كبير تحرير شوشا، معبرا عن ذلك بقوله :”اعلان هذه البُشرى للشعب الأذربيجاني في هذا اليوم التاريخي، ربما يكون أحد أسعد الأيام في حياتي”، مخاطبا مدينة شوشا التاريخية بخطاب الابن الذى عاد إلى حضن أمه بقوله: “عزيزتي يا شوشا، أنت حرة! عزيزتي يا شوشا، لقد عدنا! عزيزتي يا شوشا، سننعشك! شوشا لنا! قرة باغ لنا! قرة باغ هي أذربيجان!”، كما جاء في خطابه كذلك عبارات عكست حالة الفرح التي سادت بين جيشنا وشعبنا بهذا الانتصار، إذ أكد على أن :”الأذان سيُرفع في مدينة شوشا مجددا بعد منعه 28 عاما“.
لماذا شوشا؟
وهنا تبقى جملة من التساؤلات، لماذا شوشا؟ ولماذا كل هذا الابتهاج الرسمي والشعبى بعودتها إلى حضن الوطن؟ ما قيمة شوشا التاريخية والثقافية في حياة الشعب الأذربيجاني؟ لتأتى الإجابة جلية واضحة أن شوشا مدينة تحمل عبق التاريخ وأحداثه، حيث بُنيت المدينة عام 1752 بأمر من أمير قره باغ بناه علي خان، لتحتفل هذا العام بذكرى مرور 270 عاما على انشائها. وقد لعبت هذه المدينة دورا كبيرا في الحياة الثقافية والتاريخية والعلمية في أذربيجان خاصة وجنوب القوقاز عامة، يدلل على ذلك ما تحويه من آثار عديدة وكنوز متنوعة، والتي تعود إلى حقبة ألبان القوقاز (أران)، من القرن الرابع قبل الميلاد، حتى بداية القرن الثامن، وما تلاها من حقب أذرية ومغولية وتركية، حتى العصر الحديث، ولا تزال باقية في تلك المنطقة التي تُوصف بأنها كانت أشبه بمتحف مفتوح، يضم العديد من الأديرة والكنائس والأضرحة والمساجد والبيوت العريقة. فضلا عن أن المدينة كانت بمثابة رمز للتقاليد التاريخية للشعب الأذربيجاني، حيث نشأ فيها واحدة من أقدم المستوطنات في نطاق ثقافة خوجالي جاداباي القديمة في النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد، وأصبحت واحدة من أقدم المستوطنات البشرية في أذربيجان القديمة.
ليس هذا فحسب، بل كانت شوشا كذلك موطنا للعديد من المفكرين والعلماء والموسيقيين، ولشخصيات ثقافية متميزة، وهو ما اكسبها قيمتها الثقافية والحضارية في تاريخ أذربيجان، وكان لهذه القيمة أثر في إطلاق عدة تسميات على هذه المدينة، من أبرزها “لؤلؤة القوقاز”، و”معبد فن القوقاز”، و”مهد الموسيقى الأذربيجانية”، و”معهد موسيقى القوقاز“.
*وما هي الانجازات التي حققتها في حياتك وعملك الدبلوماسي؟
** من فضل الله عليَّ، اني بجانب عملي في السلك الدبلوماسي كنت أبحث وأكتب وأقوم بتأليف الكتب عن القضايا المصيرية لبلدي. ومن هذه الانجازات والتأليفات يمكن أن أذكر ما يلي: كتاب “مذبحة خوجالي والعدالة الغائبة” باللغة العربية، 2017م. كتاب “أذربيجان ومئوية التأسيس: الجمهورية الديمقراطية الأولى في الشرق الإسلامي” باللغة العربية، 2018م. كتاب “الدبلوماسية الأذربيجانية الحديثة فى عيدها المئوي” باللغة العربية، 2019م. كتاب “قاراباغ: الطريق إلى النصر” باللغة العربية، 2021م.
تطور نوعى
*خلال فترة عملك شهدت سفارة بلدكم تطورا نوعيا فى العلاقات والتفاعل خاصة مع وسائل الإعلام المختلفة، ما تستحق عليه التكريم، وهذا ما حدث فعلاً، فما هى تلك التكريمات التى نلتها؟
** حدث هذا فعلا، لكن نتيجة تفهم وإيجابية سفير أذربيجان بالقاهرة السيد تورال رضاييف، الذى يهتم كثيرا بهذا الخصوص، والحمد لله فقد تم تكريمى من قبل مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية، وسلَّمنى د. هشام مجدي نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة الحوار درع المركز وشهادة شكر وتقدير تقديرًا لجهودى وإسهاماتى في تعزيز العلاقات المصرية الأذربيجانية.
وهناك مراكز فكرية أخرى قدمت تقديرها وشكرها أيضا، مثل تكريم من مركز المجلس المصري التابع للشؤون الخارجية بمناسبة فعالياتي في تطوير العلاقات بين البلدين، ومن شركة السينمائي الاستثنائية SOIC, لمشاركتي ودوري البارز في سيناريو فيلم تسجيلي “مذبحة خوجالي والعدالة الغائبة، ومن مركز الحوار للدراسات السياسية والاعلامية.
تجربة ثرية
*قبيل مغادرتك مصر، ماذا تقول؟
** أذربيجان مرت بالعديد من المراحل التاريخية على مدار مائة عام شهدت خلالها تحديات جمَّة وصعوبات عديدة، إلا انها نجحت فى ان تحتفظ لنفسها بمكانة متميزة فى عالم اليوم، بفضل حكمة زعيمها الراحل حيدر علييف، ورؤية قائدها الرئيس إلهام علييف، عاونهما شعب لديه الارادة الوطنية المخلصة.
أن أذربيجان كانت رائدة فى تقديم التجربة الثرية التى جمعت بين إرث الحضارة الإسلامية من ناحية، والعصرنة من ناحية أخرى، لتؤكد للجميع أن الإسلام لا يتعارض مع مقتضيات العصر ومتطلباته، وإنما الانغلاق الذى أصاب الأمة الإسلامية فى فترات تاريخها المظلم هو الذى يتعارض مع متطلبات العصر.
فكل التقدم والازدهار والاستقرار لوطني أذربيجان، وكذلك لوطني الثانى مصر، داعيا الله عز وجل ان يحفظ البلدين الصديقين ويصون امنهما واستقرارهما.
سيرة ذاتية
يذكر أن د. ايميل رحيموف، ولد 26 ديسمبر 1978م في مدينة لنكران بجمهورية أذربيجان. أنهى دراسته الثانوية في مدرسة باسم البطل القومي حزي آصلانوف 1996م. التحق بجامعة الأزهر بمصر 1996م من خلال بعثة من قبل وزارة التعليم العالي الأذربيجاني. حاصل على شهادة الثانوية بمعهد عبد الحليم محمود بالإسكندرية 1999م. حاصل على ليسانس الشريعة والقانون، كلية الشريعة الإسلامية، جامعة الأزهر 2004م. حاصل على درجة الماجيستير من كلية اللغة العربية والآداب بجامعة القوقاز بمدينة باكو 2006م عن موضوع بعنوان: “أسرار حروف الجر في اللغة العربية”. حاصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية من أكاديمية العلوم الوطنية بأذربيجان في قسم الدين وتاريخ الفكر الاجتماعي بمعهد الاستشراق 2010م، عن موضوع: “قضايا التقريب بين المذاهب الإسلامية في الفكر الإسلامي”، تم نشره باللغة الأذربيجانية.
نشر العديد من المقالات العلمية فى المجلات المتخصصة، وشارك في عديد المؤتمرات المحلية والدولية. ومترجم لبعض الكتب من اللغة العربية إلى اللغة الأذربيجانية. مؤلف كتاب “مذبحة خوجالي والعدالة الغائبة” باللغة العربية، 2017م. مؤلف كتاب “أذربيجان ومئوية التأسيس: الجمهورية الديمقراطية الأولى في الشرق الإسلامي” باللغة العربية، 2018م. مؤلف كتاب “الدبلوماسية الأذربيجانية الحديثة فى عيدها المئوي” باللغة العربية، 2019م. مؤلف كتاب “قاراباغ: الطريق إلى النصر” باللغة العربية، 2021م.