احتفالنا بالعام الهجري الجديد ذو طابع خاص، كونه متصلا بسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم من جهة ، وكونه احتفالا و احتفاء بمرور ألف وأربعمائة وأربعة وأربعين عامًا على الهجرة النبوية المشرفة من جهة أخرى ، وهو تاريخ حضاري عريق ليس بالهين ولا باليسير في تاريخ الأمم والشعوب، فنحن أبناء حضارتين عظيمتين ضاربتين بجذور راسخة في أعماق التاريخ، الأولى: هي حضارتنا المصرية التي يزيد عمرها على سبعة آلاف عام، وأما الحضارة الأخرى فهي حضارتنا الإسلامية العظيمة بكل ما تحمله هاتان الحضارتان من قيم ورقي، فالأمم والحضارات التي لا تبنى على القيم والأخلاق تحمل عوامل سقوطها في أصل بنائها وأسس قيامها.
وحضارتنا التي امتزج فيها المصري بالإسلامي قامت على التسامح، على الرحمة، على التيسير، على القيم، على الأخلاق، على الإنسانية، ألم يقل رب العزة (عز وجل) لنبينا (صلى الله عليه وسلم): “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”، ويقول سبحانه: “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”، ويقول سبحانه: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا”.
ويجب على كل منا ونحن نحتفل بالعام الهجري الجديد أن يدرك أنه بين عامين عام قد مضى، عليه أن ينظر فيما كان منه فيه من خير فيحمد الله عليه، وما كان من تقصير فيستغفر الله، معاهدًا ربه على الخير في عام جديد، مشمرًا عن ساعد الجد، عازمًا على التحول الإيجابي إلى القيم، إلى مكارم الأخلاق، إلى العدل، إلى الرحمة، إلى الإيثار، محققًا لقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ” (صحيح البخاري)، وهذه هي الهجرة المعنوية الممتد أمرها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.