كتب- مصطفى ياسين:
أشار الشيخ احمد عبدالعزيز بدران- إمام وخطيب مسجد الزنكلونى بمنطقة ابو تلات، بالإسكندرية- إلى أن القرآن الكريم كله معجزات، وإذا طبَّقنا قيمه ومبادئه كما ينبغي لتحقّقت لنا سعادتا الدنيا والآخرة.
أوضح- خلال درسه اليومى بالمسجد- جزءًا من البلاغة والإعجاز اللغوي في القرآن، بالاشارة إلى تأكيد القرآن الكريم على ان سيدنا عيسى- عليه السلام- ليس له قوم، فيا لها من دِقَّة لغوية متميّزة تتجلّى في كتاب الله تعالى، حيث نجد في قصص الأنبياء أن كثيراً من الأنبياء خاطبوا قومهم بكلمة يا قومِ. فالمولى عزَّ وجلَّ يقول عن سيدنا نوح- عليه السلام- يقول: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ” الأعراف: 59.
وعن سيدنا هود- عليه السلام- يقول لقومه: “وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ” هود: 50.
وكذلك عن سيدنا صالح- عليه السلام- يقول لقومه: “وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ” هود:61.
وعن سيدنا لوط- عليه السلام- يقول كذلك: “وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ” الأعراف:80.
وهكذا حال الأنبياء جميعا، وسيدنا موسى- عليه السلام- ينادي قومه في كثير من الآيات بقوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) البقرة: 54. يقصد بني اسرائيل، وكما نعلم أن موسى أُرسل لبني إسرائيل.
يستدرك الشيخ بدران متسائلا: ولكن ماذا عن عيسى- عليه السلام- وقد أُرسل إلى بني إسرائيل أيضاً؟ فأجاب قائلا: الحال يختلف مع سيدنا عيسى ابن مريم، فلا توجد أي آية في القرآن تجمع كلمة (عيسى) أو (المسيح) مع كلمة (قوم)، فكان يخاطبهم بقوله: يا بني إسرائيل، دائماً من دون أي ذكر للقوم.
يقول المسيح: (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) المائدة: 72.
ويقول أيضاً: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) الصف: 6.
وهكذا في كل القرآن لا نجد ذكراً لقوم عيسى! والآية الوحيدة التي ذكر فيها سيدنا عيسى مع كلمة (قوم) هي: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) الزخرف: 57.
وكلمة (قَوْمُكَ). هنا لا تدل على قوم عيسى، بل قوم محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- لأن الخطاب في هذه الآية للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم! أي أن عيسى ليس له قوم! فما هو السرّ؟ حتى عندما تحدث القرآن عن السيدة مريم أم المسيح نسبها إلى قومها، قال تعالى: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) [مريم: 27]. ولكن المسيح لم يُنسب لأي قوم في القرآن.
ولكن لماذا سيدنا عيسى ليس له قوم مثل بقية المرسلين؟!
نسبة الإنسان تكون دائماً لأبيه، فالأب ينتمي لقبيلة أو قوم أو بلد، وكذلك فإن الابن ينتمي لنفس القبيلة أو القوم أو البلد، فسيدنا نوح ينتمي لأب من قومه ولذلك نُسب إليهم، وسيدنا إبراهيم ينتمي لأبيه آزر من قومه فنُسب إلى قومه.
وهكذا، وهنا نتساءل: لمن ينتمي سيدنا المسيح؟
طبعاً لا ينتمي لأي قوم لأنه وُلد يمعجزة وجاء إلى الدنيا من غير أب!! ولذلك من الخطأ أن يقول المسيح لبني إسرائيل: يا قوم!!
وكان لابد أن يناديهم بقوله: يا بني إسرائيل.
وهذا ما فعله القرآن. ولا توجد ولا آية واحدة تشذّ عن هذه القاعدة. لو تحدثنا بنفس المنطق وطرحنا السؤال التالي: ماذا عن آدم- عليه السلام- ونحن نعلم أنه جاء من غير أب ولا أم بل خلقه الله من تراب، هل ذكر القرآن قوم آدم؟
بالتأكيد لا يوجد أي ذكر لقوم آدم، فلو بحثنا في القرآن كله لا نجد أي آية تتحدث عن قوم آدم، بل الآيات تتحدث عن بني آدم وهذا من دِقّة القرآن الكريم وإحكامه.
إذاً جميع البشر لهم قوم باستثناء نبيّين كريمين: آدم وعيسى عليهما السلام.
يضيف: وسؤال جديد: هل أغفل القرآن هذه الحقيقة؟ حقيقة عيسى وآدم؟ أكيد لم يغفل، فقد ذكر القرآن هذه الحقيقة في آية كريمة يقول تعالى فيها: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: 59].
هذه هي الآية الوحيدة في القرآن التي يجتمع فيها اسما آدم وعيسى معاً. فانظروا إلى دقة هذا الكتاب العظيم. سبحان الله الحكيم العليم!