لا توجد أمة تقف موقفاً سلبياً من لغتها كما يفعل العرب
بعض القضايا الفكرية تناقش فى مجالس العلم وليس على شاشات التليفزيون
العقليات التى تقود الأزهر الآن .. الجميع يعلم كفاءتها ورغبتها فى التطوير
قدمنا مشروع قانون للغة العربية .. لكنه لم يظهر للنور
أسماء المحلات واللافتات كلمات أجنبية بحروف عربية .. كيف يحدث هذا ؟
حوار: طارق عبد الله
طالب د. عبدالحميد مدكور، أمين عام مجمع اللغة العربية وأستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، بتكليف كل مبعوث للدراسات العلمية فى الخارج بترجمة كتاب فى تخصصه لنقل خبرات الأمم الأخرى دفعة واحدة ، وبالتالى نستطيع إزالة المسافة الهائلة الموجودة بيننا وبين التطور العلمى فى الغرب ، خاصة وأن الدول العربية ترسل عشرات الآلاف من المبعوثين إلى أوروربا وأميركا سنويا.. مشيرا إلى نجاح تجربة الشيخ رفاعة الطهطاوى فى عهد محمد على فى هذا الشأن حتى يغنى ويثرى مضمون اللغة العربية بالمصطلحات الحديثة. وقال : لا توجد أمة تقف هذا الموقف السلبى من لغتها كما يفعل العرب ، مستشهدا بفرنسا التى أصدرت قوانين تجرم استعمال أى لغة أخرى غير الفرنسية .. مشددا على ضرورة إلزام المدارس الأجنبية فى بلادنا بتعليم اللغة العربية تعليما يتكافأ مع مكانتها .
واستنكر – خلال حواره لـــ «عقيدتي» – الدعوات التى تطالب بتنحية التراث جانبا ، مؤكدا أنه لا يوجد فى العالم أمة تحتقر تراثها مثلما يحدث فى بلادنا .. مطالبا بضرورة أن تدرس هذه القضايا فى مجالس العلم وليس على شاشات التلفاز أو صفحات الصحف . وشدد على أن التأثر بالحضارات أشبه بنقل الدم ، إذا حدث أى خطأ فى مكونات الدم يموت الإنسان .. مستهجنا الدعوات التى تطالب بتطبيق الطبائع الغربية فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية .
وأشاد بجهود الأزهر الشريف فى تطوير الكتب والمناهج القديمة .. مؤكدا أن العقليات التى تقود الأزهر الآن يعلم الناس مدى كفاءتها وذكائها وحكمتها ورغبتها فى تطوير هذه الكتب .. وفيما يلى نص الحوار : > فى البداية .. سألته عن قرارارت المؤتمر الأخير لمجمع اللغة العربية الذى دار محوره حول قضية «تعريب العلوم»، والتى مازالت حائرة بين النظرية والتطبيق ؟
>> فقال : هذه القضية التى تتمثل فى قضية التعريب الذى هو أمر ضرورى لكل أمة تريد أن تلحق بالركب العلمى الذى يسرع فيه العلم أيما اسراع .. نحن بيننا وبين الدول المتقدمة علميا الآن مسافات طويلة ، لا يمكن بحسب ظروفنا ان نقطعها خطوة خطوة ، ولكن التعريب يقصر المسافات ويقلل الجهود ويجعلنا نلحق بالركب ولو فى خواتيم هذا الركب ، فالتعليم قضية حضارية وإنسانية موجودة فى كل المجتمعات الإنسانية ، وقد كنت فى فرنسا أرى الكتب التى تؤلف فى انجلترا فى سنة ، تترجم إلى الفرنسية فى السنة التالية ، فليس هناك فروقا ولا مسافات ولا قيود فى نقل العلم والفكر والثقافة والخبرة الإنسانية من بلد إلى بلد خاصة وأن البشرية كلها تواجه مشكلات واحدة وعليها أن تتعاون جميعا لحل هذه المشكلات .. فالتعريب قضية لا نزاع فيها ، وضرورة حيوية إنسانية تقوم بها كل المجتمعات البشرية .. ونحن أصحاب تجارب ناجحة للتعريب فى مراحل متعددة فى تاريخنا ، ومن أهمها المرحلة الأولى التى وقع فيها تعريب العلوم فى عصر الدول الأولى فى الحضارة الإسلامية من أول الدولة الأموية حيث بدأت حركة التعريب وبدأت بتعريب العلوم التى ترجى فائدتها كالطب والحساب على سبيل المثال ، وهى علوم حيوية ، وعلوم الفلك ونحو ذلك من العلوم التى كانت فائدنها مؤكدة والمسلمون ينتفعون بها فى مجالات متعددة حتى فى مسائل الفقه والمسائل الشرعية ، وقد أقيمت ظاهرة عجيبة جدا فى ان الترجمة كانت شاملة مائة فى المائة لكل ما كان معروفا فى ذلك العصر ، يعنى ترجمنا من الهند ، الفرس، اليونان ، ومن السريان ، وترجمنا عن اللاتينية ، وعن النبطية ، ترجمنا عن لغات كثيرة وانتقل العلم الإنسانى فى الحضارات السابقة إلى العربية .. العرب لم يكن لهم باع طويل فى أمثال هذه العلوم العملية .. نحن عندنا باعنا الطويل فى العلوم الأدبية والشرعية واللغوية .. لكن علوم الطب وعلوم الهندسة والحساب والفلك والتشريح وغيرها ، كل هذه العلوم التى سبقت إليها أمم ذات حضارة أقدم من حضارة العرب ، حيث كان بها جامعات ومراكز علمية وفيها فلاسفة وحكماء وفيها وفيها .. إذاً كل هذا التراث الإنسانى انتقل إلى اللغة العربية ، ولكن الأمر الذى تميز به العرب المسلمون فى ذلك الوقت أنه كانوا ذى امة حيوية لا تكتفى بمجرد الترجمة ، وإنما تحول الترجمة إلى نقطة أساسية يرتكز عليها لكى يضيفوا إلى ما قدمته الأمم الأخرى عطاء جديدا لم يكن موجودا لدى الأمم السابقة.
أبدا لم يكن عندهم هذا الإحساس بالعجز الذى نعانى منه الآن .. هذه نماذج حدثت فى تاريخنا ، وهى نماذج مشرفة وتمثل واحدة من كبريات الترجمة على مدار التاريخ كله .. إذا ليس هناك عجز فى اللغة العربية ، وليس هناك تأخر عن الإحاطة والإدراك لمضمون هذه العلوم ، وليس هناك مانع من أن يتخذ هذا قاعدة للإنتقال إلى مراحل عالية وسابقة .
ثم حدثت مرة أخرى فى عهد الشيخ رفاعة الطهطاوى – رحمه الله – حيث كان هذا الرجل شيخا للبعثات التى أرسلها محمد على إلى أوروبا ، ولكنه تعلم اللغة الفرنسية ، وألزم كل مبعوث فى تخصصه أن يترجم كتابا من كتب هذا التخصص حتى يغنى ويثرى مضمون اللغة العربية بالمصطلحات الحديثة ، وكان المبعوث لايستطيع أن يدخل إلى مصر إلا ومعه هذا الكتاب الذى ترجمه .. هذا هو الأمر ، ونحن الآن طبعا المسافات بيننا وبين التطور العلمى هائلة ، لكن الآن عندنا إمكانات مهمة جدا لتحقيق هذه النقلة الكبرى التى ننقل فيها كل تراث العلم العالمى إلى اللغة العربية .
الترجمة وأهميتها
> وما هى الوسائل التى يمكن لنا أن ننقل بها التراث العلمى ؟
>> الوسيلة الأولى هى التكنولوجيا المعاصرة التى تجعل الحصول على العلم والوصول إلى العلم ميسرة ليست كما كان الشأن من خمسين أو مائة عام .. لكن لننظر الآن كم ترسل الدول العربية مبعوثين إلى الخارج .. آلاف مؤلفة ، فبعض الدول ترسل عشرات الآلاف فى كل التخصصات إلى العالم ، لو كلفنا كل واحد أن يترجم كتابا كما فعل الشيخ رفاعة الطهطاوى ، فانظر إلى الكم الكبير الذى سيترجم من خبرات الأمم الأخرى كلها وينقل دفعة واحدة غلى اللغة العربية بما فيه من مصطلحات وبما فيه من موضوعات وبما فيه من مناهج وبما فيه من نتائج علمية .. هذه مسألة ينبغى ألا تكون موضع جدل ولايصح أن نقابله فرادى نشعر بالعجز ونقول هذا ضحم وهذه هوة سحيقة لانستطيع أن تجمع بيننا وبين هؤلاء الناس ، لكن لابد أن نجتاز هذا العجز النفسى أمام الحضارات الأخرى الذى لم يكن يستشعره العلماء فى عصر الدولة العباسية ، حيث كان يرى أن هنالك بعض العلماء الهنود وضعوا تطبيقا علميا لجزء من علم الفلك عن الهند ، ويترجم هذا الكلام عن الهند إلى اللغة العربية ، فهو يأخذ القواعد الأساسية التى طبق عليها هذا الأمر فى الهند ويبنى عليه تصورا جديا للعالم الإسلامى الذى يعيش فيه ، هكذا كانت الرؤية عند العلماء فى حضارتنا الإسلامية قديما ، لكنها أصبحت مشكلة لدى علماؤنا الآن ، أكثرهم تعلم فى الخارج ومراجعه باللغة الأجنبية ويستسهل الكلام بهذه اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية ، لكن الآخرون قالوا لا .. اللغة العربية قادرة .. اللغة العربية التى جعلها الله وعاء لكتابه الكريم والتى حملت دقائق من الشعر والفن والأدب والوصول إلى درجات عليا من الكمال ليست عاجزة عن أن تتقبل العلم الإنسانى بشرط أن يكون العلماء متقبلين لهذا الأمر وبشرط أن يقوموا بجهد كالذى قاموا به فى مرحلتهم الأولى وفى تاريخهم الأول .
> أفهم من ذلك .. أن التجربة تستطيع أن تطبق ؟
>> ليست مستحيلة.
> إذٍن.. ما هى المعوقات ؟
>> كما ذكرنا آنفا .. أولا عدم تجميع الجهود ، وكون كل دولة فى العالم العربى تواجه المشكلة منفردة، يعنى دول مشغولة بحروب داخلية وحروب خارجية تواجه مثل هذه المشكلة صعب جدا أن يحدث ذلك ، لكن عندما يجتمع كل هؤلاء العرب تحت مظلة الجامعة العربية أو تحت مظلة المجامع اللغوية العربية أو تحت أى منظمة علمية وأن تنسق الجهود وأن تجمع كل الإمكانات التى يمكن أن تكون ، وأن توضع الخطط التى ترتب مثل هذه الأمور التى ليست سهلة ولكنها تحتاج إلى تنسيق وإلى جهود كبيرة جدا ، فهذا سبب أن كل أمة من أممنا وكل شعب من شعوبنا يواجه المشكلة وحده ، لكن إذا واجهناها جماعة عن طريق هذا القرار الذى تصدره هيئات سياسية فى العالم العربى ، كل مبعوث يخرج إلى الخارج يترجم لنا كتابا ، والدولة أنفقت عليه وأرسلته فمن حقها أن تطلب منه ما تشاء وأن تسخر أمره فى مثل هذا الأمر .. فإذا قبلنا المشكلة مجتمعين سيخف جزء من هذه المشكلة.
الأمر الثانى أن يعطى الترجمة مقامها فى التطور العلمى ، حتى الآن الترجمة لاتحتسب فى ترقيات الأساتذة ، إلا إذا قدم لها مقدمة علمية ونظرية ، لكن ليس مجرد نقلاً للكتب ، وهذه بداية التى يبنى عليه هذا العلم ، فلابد من إعادة الاعتبار فى مثل هذا الأمر .
الأمر الثالث .. الأمر يحتاج إلى انفاق كبير وإلى جهد.
الأمر الرابع .. على العلماء أنفسهم أن يستشعروا مسؤوليتهم أمام الله وأمام التاريخ وأمام الأمة وأمام الحاضر وأمام المستقبل بأن عليهم أن يبذلوا جهدا كالذى بذله السابقون ، وكالذى تبذله كل الأمم الأخرى .. وعلينا ألا نستشعر أن اللغة العربية عاجزة .. أبدا .. اللغة العربية من أكبر اللغات جذورا ومن أكثرها حيوية واستمرارا .. هناك لغات تمثل أحيانا دولا أقل من نصف مليون ولكن أهلها مصرون على أن يتعلموا العلم وأن ينقلوا العلم إلى لغاتهم وأن يدرسوا بلغاتهم .
> لكن تجربة تعريب العلوم فى سوريا شهد لها الجميع بالنجاح .. فما هو تقييمكم لها وهل يمكن تطبيقها فى باقى الدول العربية ؟
>> الحرص على اللغة ليس حاضرا فى أذهان الكثيرين الذين يقولون بأننا لايمكن أن نتطور إلا بإلتحاقنا بنظم أخرى حضاريا ، وهذا خطأ جسيم على الحاضر والمستقبل ، لأننا بهذه الفكرة المشوهة سنظل أتباعا لحضارات أخرى ، ولن نبدع أبدا ولن يكون لنا شأن .. خلال المؤتمر الأخير للمجمع نوقشت التجربة السورية فى تعريب العلوم وظهر أن هناك تجارب عربية أخرى ، فهناك تجربة فى الأردن ، وأخرى فى السودان ، وثالثة فى موريتانيا .. لكن كلها متفرقة ، لاتوجد رؤية واحدة ولا فكرة كلية جامعة ولاترتيب ولاتنسيق ، وياليت الجامعة العربية تجعل هذا من مهماتها ، وهذا له تأثير كبير جدا على وحدة العالم العربى من جهة ، وعلى حاضر الأمة والعربية ومستقبل اللغة العربية من جهة أخرى .
إعادة الإعتبار
> ولكن اللغة العربية تحارب حتى من أبناء هذه الأمة .. ولورجعنا إلى الماضى القريب وليس البعيد سنجد أن رئيس حزب الأحرار الدستوريين عبدالعزيز فهمى باشا خلال القرن الماضى قد طالب بإبدال حروف اللغة العربية باللغة اللاتينية ، وللأسف هذه المطالب تتكرر حاليا ، خاصة مع انتشار ما يسمى بـ « لغة الفرانكو أراب « على وسائل التواصل الإجتماعى .. فما هو تقييمكم لذلك ؟
>> لابد من أن ننطلق من إعادة الاعتبار للغة العربية .. وهذا شعور قومى وانتمائى .. وقد كانت لغة العلم الأولى فى العالم لمدة ثمانية قرون .. وكان الذى يريد أن يتعلم يأتى إلى العالم العربى لكى يتعلم اللغة العربية بما فيها من العلم العالمى الذى ترجم إليها العلوم .. لانريد أن نجلد أنفسنا ونقول انظروا إلى الذى فعلته « اسرائيل « التى فعلت بلغتها التى كانت غير موجودة على خريطة اللغات العالمية لمدة 2000 عام ولكن عندما أرادوا أن يقيموا دولتهم كان أول قرار اتخذ فى بازل فى سويسرا عام 1897 واشترطوا فى إقامة دولتهم أن تكون هناك لغة واحدة رغم شتات مواطنيهم ، فمن أتى من ألمانيا ومن أتى من بولندا أو من المغرب أو من غيرها من شتات العالم عليه أن يتحدث لغة واحدة .. من هذا لابد من إعادة الاعتبار للغة العربية فى التعليم وفى الإعلام وفى الوثائق وفى المؤتمرات ، حتى تتوطن اللغة فى أذهان أبنائها ، وحتى يتمكنوا من إجادتها ومن نقل المعارف إليها ، ومن التفكير ومن الإبداع بها .. وما حدث من عبدالعزيز فهمى قديما لم يوافقه عليه أحد ، وكان رأيا نشازا .
> ولكن بماذا تفسر انتشار ما يسمى بــ « لغة الفرانكو أراب « على وسائل التواصل الإجتماعى بين الشباب ، وكيف يمكن مواجهتها ؟
>> هى ظاهرة .. وهذه الظاهرة ينبغى أن تعالج بالنظرة العلمية .. لابد أن يشعر الذى يكتب هذه الكلام أن اللغة العربية لها اعتبارها فى مناهج التعليم التى يتعلمها .. لابد أن نعلم فى مدارسنا وجامعتنا اللغة العربية حتى تكون لغة حياة .. للأسف اللغة العربية تعامل الآن كأنها لغة أجنبية ، حيث يتعلمها الطالب فى المدرسة لأنه لايسمعها .. فأين يسمع الطالب اللغة العربية ؟ .. الطفل الصغير يتعلم لغته من السماع ، فإن لم يسمع هذا الطفل اللغة فلن يتعلمها .. فالذى يدرس الهندسة فى فرنسا لابد أن يحافظ على قواعد اللغة الفرنسية ، كذلك من يدرس الكيمياء باللغة الإنجليزية .. فلماذا لاتدرس المواد العلمية فى مدارسنا باللغة العربية الصحيحة والسليمة وليس باللغة العامية . . لابد فى التعليم أن يعود للغة العربية اعتبارها .. ولابد فى الإعلام أن يعود للغة العربية اعتبارها . لابد أن يذاع أمر اللغة فى كل مكان وأن يستمع إليها الناس فى كل سياق
الحكومات عليها دور وهى الرائدة فى الأمر بإصدار القوانين ، لأنها هى التى تصدر مبعوثين إلى الخارج ، وهى التى تلزمهم ، وهى التى تشرف على الجامعات وتضع قواعد الجامعات والترقيات فى الجامعات إلى آخره .. وعلى الناس أجميعن أن يكون لديهم هذا الاعتبار .
موقف سلبي
> ولكن مع انتشار مدارس اللغات .. أصبحت اللغة العربية مهددة أكثر ، خاصة وأن التعليم فى هذه المدارس أصبح شيئا مهما لدى الأسرة المصرية باعتباره يمنح الفرص التعليمية والوظيفية الأفضل للطالب مستقبلا .. فكيف نواجه ذلك ؟
>> نواجهه بتحسين التعليم الذى نقدمه .. تقدم لغة عربية قوية فى التعليم العام ، وتقدم لغة أجنبية قوية أيضا فى التعليم العام .. وإلزام المدارس الأجنبية تعليم اللغة العربية تعليما يتكافئ مع مكانتها .. لاتوجد أمة تقف هذا الموقف السلبى من لغتها كما يفعل العرب .. فى فرنسا أصدروا قوانين تجرم استعمال أى لغة أخرى غير اللغة الفرنسية .. ومن الممكن جدا بالنسبة للتعليم فى الكليات التى لاتعلم باللغة العربية أننا نعمل تعريب جزئى لبعض العلوم فى كل سنة دراسية . . ونجهز القوانين .. ونجهز الأكفاء المدربين على أن يؤلفوا وأن يتحدثوا باللغة العربية . . ومن خلال ذلك يمكن أن نؤسس – على مدار سنوات – القواعد لكى تكون اللغة العربية لغة التعليم .
> ذكرتم أنه لابد من إعادة الاعتبار للغة العربية فى الإعلام .. كيف يحدث ذلك مع التغول الكبير للهجة العامية فى وسائل الاعلام المختلفة خاصة الصحف والقنوات التليفزيونية ؟
>> لابد من أن تصدر الدولة قوانينها لضبط هذا الأمر .. نحن لدينا المادة الثانية من الدستور أن مصر هى جمهورية عربية لغتها العربية .. وهذا لابد من تنفيذه .. لانستطيع أن نقول أن الاعلام سوف ينتقل إلى الحديث باللغة العربية مائة فى المائة .. ولكن لابد أن الناس تسمع اللغة العربية فى نشرات الأخبار على سبيل المثال فى الحوارات مع العلماء والمفكرين وهكذا .. كيف ننتقل من هذه اللغة الصافية التى لم تتأخر يوما من أن تلبى مطالب الحياة الإنسانية فى كل التخصصات .. كيف يمكن أن أتخلى عن ذلك إلى لهجة ليس لها قواعد ، وليس لها قواميس .. وهى لهجة تؤدى إلى تفتيت العالم العربى .. فالذين يريدون أن يفتتونا ويقطعوننا ويجعلوننا شذرات متناثرة يقدمون اللهجات العامية لكى تفتت العالم العربى . . وإنما الذى يجمع كل هؤلاء هو اللغة العربية . . ياليت الجاعمة العربية أن تتنبأ لذلك .
> إذا كان ذلك يتم ضبطه بالقوانين .. فماذا عن قانون اللغة العربية الموجود حاليا بالبرلمان ، خاصة وأن هناك جدال وخلاف بشأن بعض بنوده ؟
>> نحن لدينا مشروع قانون قدمناه قبل ذلك من سنة 2017 أو 2018 ذهبنا إلى وزارة العدل وصيغ القانون صياغة قانونية تسمح بمناقشته ، لكنه لم يأخذ طريقه الكامل فى نهاية الأمر ، وقيل أننا عندنا قوانين كبرى لابد من إنجازها أولا . . القانون مهم ، لكن الاقتناع الشعبى والتوجه الثقافى لابد أن يكون عونا .. القضية لانستيطع حلها بمجرد قوانين .. نحن لدينا قوانين بأن تكون اللافتات باللغة العربية من عام 1967 ، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث ، أسماء المحلات واللافتات كلمات أجنبية بحروف عربية ، وهذه لايفهمها العربى او الأجنبى !!
نحن لانتفق مع حركة التاريخ التى يجب أن تكون حاضرة لنهضة هذه الأمة ، فمن عوامل النهضة الإنجازات العلمية القوية ، ومن عوامل النهضة أن يعبر عن هذه الانجازات العلمية باللغة العربية ، وتوطن اللغة العربية . . يجب أن يكون للمؤسسات العليمة دورها وللعلماء أيضا دورهم . أو تجديده .
فكر الأمة
>فى الفترة الماضية أثيرت قضية التراث الاسلامى .. حيث طالب البعض بتنيحة التراث بما يتوافق ومقتضيات العصر .. فى واجهه البعض الآخر بعدم إمكانية التفريط فى هذا التراث .. كيف ترى هذه القضية ؟
>> هذه من العقد التى توضع فى طريق عجلة التقدم .. ليس هناك أمة فى العالم تحتقر تراثها ، لايوجد أبدا .. كنت فى فرنسا ووجدت لديها فى المكتبات كتبا تتحدث عن السحر الأسود ولم يمنعها أحد .. بجانب كتب المفكرين والفلاسفة الفرنسيين القدماء ، فهذا موجود وذلك موجود .. المفروض أن التراث يعبر عن فكر الأمة فى مرحلة من المراحل .. هذا الفكر فيه ثوابت وفيه متغيرات .. الثوابت يجب أن تستمر ، والمتغيرات يجب أن ننقدها نقدا علميا رصينا منهجيا ، ليس بإلقائه فى البحر .. وبالمناسبة التراث عندما نتحدث عنه هو فكر الناس فى مرحلة تاريخية ، لاندخل القرآن أو الحديث فى التراث ، وإنما نتحدث عن جهد الناس فى مرحلة من المراحل ، وهذا نقسمه إلى قسمين ، ثوابت ومتغيرات ، ونقوم بعميلة فرز حقيقى ، فالثوابت لابد من بقائها والبناء عليها وتطويرها وعصرنتها وتقديمها تقديما جديدا يتلائم مع العصر .. أما المتغيرات فهو الأمر الذى يتعلق بمراحل كانت معاصرة لوقتها أو أن العلم أثبت أن بها خطأ ليس صالحا للاستمرار ، فعندئذ نقول أن هذا جزء من التاريخ ، فمثل هذا لايعلم ولايرتكن إليه . . فالمسائل ليست حلا بالجملة انما لابد أن يكون هناك هذا الوعى بقيمة التراث من ناحية وبفائدة التراث فى جوانب كثيرة منه فى ناحية أخرى وبأن التراث الإنسانى ليس مقدسا ، يكون عندنا من القدرة على نقد هذا التراث فى الجوانب التى أصبح العلم يعطينا فكرة على أنها ليست صالحة للاستمرار نستطيع أن نفعل ذلك بكل حرية ومن غير إهدار ولا سخرية .
تراث العلم العربى لايمكن أن تنزعه من التاريخ .. وجدنا كبار المؤرخين يقولون نحن نستطيع أن نستغنى عن تراث حضارة الهند ، عن تراث حضارة اليابان .. لكننا لانستطيع أن نستغنى عن تراث الحضارة العربية .. لأنها أصبحت أساس الحضارة الأوربية المعاصرة . . لماذا لانعطى أنفسنا هذا الشرف وهذا المجد ، ولماذا لانكرر المحاولة فى أن يكون لنا جهد فى التاريخ .. لكننا نترك الأمور تمشى هكذا من غير ضبط لها فى سياق يدفع بها إلى الانهيار .
> أفهم من كلامكم أن التراث الإسلامى فى حاجة إلى تجديد ؟
>> فى حاجة إلى إعادة النظر .. حسن العرض .. حسن الاختيار .. حسن الفرز
> ولكن للأسف بعض أصحاب التيارات الأخرى عندما ينتقدون كتب التراث ينتقدون أسانيد السنة النبوية المطهرة مثل « صحيح البخارى « وغيره ويشككون فى هذه الكتب وتلك الأسانيد ؟
>> من الذى يحكم بهذا .. أهل العلم ، ليس أهل الدعاوى التى لاتستند إلى علم ، ولا أهل الأهواء الذين يريدون أن يحطموا ثوابت موجودة فى هذا الدين .. هذا تعد وتجنٍ .. لابد أن يكون عندنا إنصاف وأن توضع المسائل فى تأثير ظروف حدوثها .. ينبغى أن نضع كل شئ فى نطاقه .. هناك خطوط حمراء مثل القرآن الكريم والسنة الثابتة .. العلماء القدامى بذلوا جهوداً من أجل تصفية السنة ، فتدرس المسائل بلهجة علمية وليست لهجة إعلامية . فتح الباب لكل من يعرف ولكل من لايعرف فيه إساءة لكل هذا التراث ، فينبغى أن يكون الحوار فى مثل هذه المسائل بين العلماء وليس على شاشات التليفزيون ، لأن هذا يؤدى إلى لغط وحيرة .
الدوافع التى تدفع هؤلاء .. يريد أن يزيل الوقار عن هذا ويقلل من شأن هؤلاء العلماء الذين اعترفت لهم الأمة على مدى تاريخها الطويل بأنهم بذلوا من الجهود ما لايمكن لأحد أن يفعله خصوصا فى ظل ذلك الزمن القديم . . هم بشر ليسوا معصومين ولكننا عندما نناقش ما تركوه لنا يكون بلهجة علمية وبين علماء فى مجالس العلم التى تتسع لأمثال هؤلاء .
> وكيف ترى قضية تجديد الخطاب الدينى ؟
>> أعود للقول مرة أخرى بأننا عندنا ثوابت ينبغى تجديد عرضها .. أنا لااستطيع أجدد الكلام فى توحيد الله عز وجل بكونه عقيدة ، ولكننى أستطيع أن أقدمه الآن مشفوعا بأدلة من العلم الحديث لم تكن معلومة عند السابقين .. ليس الخطاب الدينى أننى ألغى أشياء أو أننى أحذف أشياء أو أتنازل عن أشياء ،، التحديد يكون فى وسائل العرض فى طرق العرض ، فى الانتفاع بالمحدثات العلمية التى تمكنى من إثبات
التجديد العرض للقضايا الأساسية الثابة حتى أقنع الناس بشئ جديد .. هل يتعرض تجديد الخطاب الدينى لقضايا القرآن الثابتة التى لايصح لأحد أن يمسها بسوء .. لا .. علينا أن نبنى لا أن نهدم .. أن نجمع لا أن نفرق .. علينا أن نزيد من العلم الذى عندنا لا أن نشتت العقول حول هذا العلم .
لسنا ذيولا
> أصحاب التيارات العلمانية يرون أن « التنوير « لن يحدث إلا بعيدا عن الدين .. فى حين أن علماء الدين يرون أن التنوير أصل اسلامى موجود فى الشريعة الإسلامية .. ما رأيكم فى ذلك ؟
>> التنوير .. هذه الكلمة وجدت لظاهرة وجدت فى الحضارة الأوربية .. عندنا فى القرآن « الله نور السموات والأرض « ، و» قد جاءكم من الله نور « .. أنظر فى المذاهب والأفكار التى قالها ناس قبل ذلك واستطيع أرى ما فيها من صواب أو من تقصير أو من خطأ .. هذا تنوير .. لكن الظاهرة التى يحدثنا عنها العلمانيون ، هى ظاهرة نشأت فى حضارة بينها وبين الدين صراع .. يعنى الذى وقف فى وجه العلم يمنعه كانت الكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا ، فالكنيسة الكاثوليكية أتت بالعلماء وأحرقتهم وأعدمتهم لأنهم قالوا بنظريات اعتقد القائمون على الكنيسة الكاثوليكية فى ذلك الوقت أنها تعارض العقيدة المسيحية .
هذه ظروف تتعلق بحضارة تفعل لنفسها ما تشاء ، هم مسؤولون عن أنفسهم .. لكن مثل هذا الأمر لايصلح أن آخذه إلى الصين ، فالصين لديها تراث مختلف وكذلك اليابان .. نفس الأمر لايمكن تطبيقه على الحضارة العربية الإسلامية ، فكل حضارة تصنع تاريخها وتنويرها .. نحن لسنا لقطاء لنا تاريخ عريق ولنا حاضر .. فليكن تنويرنا بحسب ثوابتنا وتقاليدنا .. والذين يريدونإلحاقنا بحضارات أخرى لنكون هوامش وذيولا .. لاينبغى أن نكون ذلك .
> هم يحملون مناهج الأزهر المسؤولية فى مناهضة التنوير ؟
>> العقليات التى تقود الأزهر الآن يعلم الناس مدى كفاءتها ومدى ذكائها ومدى حكمتها ومدى رغبتها فى تطوير الكتب القديمة التى كانت تدرس ولابد أن نثنى على هذا التقدم لا أن نهاجمه أو أن نحاصره أو نتهمه بأنه ضد .. أبدا .
> من مساوئ الحضارة الغربية وثقافتها ظهور بعض الدعوات فى مجتعنا العربى حاليا لزواج المثليين والتعامل الطبيعى معهم .. كيف ترى هذا ؟
>> كل حضارة أن تفعل بنفسها ما تشاء .. لكن أن نتحول نحن إلى أشباه وإلى مستقبلين وإلى مقلدين كالقردة .. لايمكن أن يكون الأمر كذلك .
> هم يعتبرونها حرية ؟
>> هذه ليست حرية .. الحرية محدودة بحدود وبقيم اجتماعية .. الحرية لاتجعلنى أقطع إشارة المرور وأتجاوزها .. فكما يتم احترام القانون فى أوربا لابد من احترام القيم فى مجتمعاتنا .. عندنا قيمة العفاف تختلف بيننا وبين الغربيين .. التأثر بالحضارات أشبه بنقل الدم .. فلا استطيع أن آخذ فصيلة مختلفة عن فصيلة أخرى .. فإذا حدث أى خطأ فى أى هذه المكونات والفصائل فى الدم يموت الإنسان .. فأنا إذا أردت أن أنقل على أن أنقل شيئا يتفق مع ما لدى من ثوابت أخلاقية وعقائدية ، وإلا تكون فوضى . . هم أنفسهم لايأخذن من أحد شيئا إلا إذا كان موافقا لحضارتهم !! .. فلماذا يفرض على أنا أن آخذ من حضارتهم .. فالأخذ من الحضارات مثل عملية نقل الدم ، فإذا كان مخالفا سيؤدى إلى تدمير .