فتحي الدويدي
كشفت دراسة جامعية عن دور مصر التاريخي وأثره في الحضارة في عدد من دول أسيا الصغري، وحماية المقدسات الدينية والأقباط و الكنائس ودور الأزهر الشريف الشريف العلمى في دعم ورعاية علماء نشر اللغة العربية في تلك المنطقة.
كانت الباحثة لاميس إبراهيم فتحي طاش قد حصلت على درجة الدكتوراه في التاريخ الاسلامي من جامعة طنطا عن رسالتها بعنوان ( العلاقات الحضارية بين دولة المماليك وآسيا الصغرى 648-923ه/1250-1517م ).
وتكونت لجنة الاشراف والحكم من عدد أساتذة من أهم مؤرخي مصر وهم الأستاذ الراحل الدكتور محمد محمود النشار أستاذ التاريخ والعصور الوسطى ورئيس قسم التاريخ الأسبق بكليه الآداب جامعة طنطا الذي رحل عن عالمنا أثناء دراستها وكذلك مشرفها الرئيسي الأستاذ الدكتور أحمد عبدالسلام ناصف أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ورئيس قسم التاريخ الأسبق بكلية الآداب جامعة طنطا ولها أيضاً مشرف عرف للجميع بمقالاته وكتاباته المتميزة وهو الدكتور محمد السيد فياض أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية المساعد بكلية الآداب جامعة طنطا وتمت مناقشتها من قبل عالم كبير وهو الأستاذ الدكتور أسامه سيد على عميد كلية الأداب الأسبق بجامعة قناه السويس بالاسماعيليه والدكتور رأفت عبدالرازق ابوالعينين أستاذ الأثار الإسلامية بكلية الأداب جامعه طنطا.
أعتمدت الباحثة فى دراستها على ٦٦٠ مصدر ومرجع عربي واجنبي انجليزي وفرنسي والماني وتركي وفارس بجانب مصادر بيزنطية باللغة اليونانية القديمة بجانب القرآن والتوراه ومخطوطات باللغة التركية .
استعرضت الباحثة تاريخ وجغرافية منطقة آسيا الصغري بداية من مسمياتها ببلاد الروم ثم آسيا الصغرى ثم الأناضول حتى الوقت الحالي بتسميتها تركيا ، فتلك المنطقة تزامن عليها عدة قوى سياسية ، وهى القوى المسيحية التى تشكلت في الامبراطورية البيزنطية الشرقية ، ومملكة أرمينيا الصغرى ، ومملكة الكرج ، والقوى الإسلامية ، وتشكلت في دولة سلاجقة الروم ، وقبيلة المغول الذهبية ، وأيضا عدة إمارات تركمانية ، وأهمهم إمارة دلغادر ، إمارة بنى قرمان ، والإمارة العثمانية التى بدأت كإمارة صغيرة حتى أصحبت دولة عظيمة استطاعت أن تقضى على الامبراطورية البيزنطية بسقوط عاصمتها القسطنطينية ، وقد استطاعت الباحثة أن تلقي النظر على العلاقات الحضارية لتلك القوى جميعها مع الدولة المملوكية بمصر ، سواء كانت علاقات دبلوماسية ، أو علاقات اقتصادية ، وأيضا اجتماعية ، وكذلك علاقات ثقافية ، ودينية .
حيث كانت مصر في تلك الفترة المهمة ، وهى فترة الدولة المملوكية بمصر كانت مهمة جداً بالنسبة لتلك القوى السياسية بأراضى آسيا الصغرى التى هى من كانت تقوم بالسعى ، لتوطيد علاقاتها مع الدولة المملوكية المصرية ، ومنهم من كانوا يدينون بالولاء ، والطاعة ، والتبعية للدولة المملوكية المصرية ، لذلك قد كشفت الباحثة النقاب عن تاريخ مصر ، وعلاقتها بالنسبة لدول آسيا الصغرى من كافة النواحي .
وأكد الباحثة أن مصر في العصر المملوكياستطاعت أن تفرض سيطرتها ونفوذها على بعض القوي السياسية فى آسيا الصغري ، حتى أن معظم الإمارات التركمانية كانت تحت النفوذ المملوكي وتدين بالولاء والطاعة والتبعية لدولة سلاطين المماليك بمصر ؛ كما كان حكام آسيا الصغري هم من يبدأون ويسعون بإرسال السفارات والهدايا إلى الدولة المملوكية بل وتعظيم وإجلال السلاطين المماليك ويشهد على ذلك رسالة السلطان محمد الفاتح والسلطان بايزيد الثاني عند إستنجاده بالدولة المملوكية لمساعدته فى صد الخطر التيموري على الدولة العثمانية .
وبحسب الدراسة كان للدوله المملوكية المصريه فضل علي الالقاب العثمانيه حيث نقلوها عن الدوله المملوكيه ، إن إبتعاث العلماء الأتراك إلى الدولة المملوكية ودراستهم سواء كانت الدينية فى الأزهر الشريف والمدارس المملوكية أدت إلى نشاط الحركة العلمية فى آسيا الصغري لنقلهم ما درسوه وتعلموه بمصر إلى بلادهم .
وتناولت الباحثة دور مصر في تجديد مسجد القسطنطينية الذي تعرض للتدمير والتحطيم بسبب غزوات اللاتين على الإمبراطورية البيزنطية وذلك فى عام (601ه/1204م)،
وبعد أن تم إعادة تجديد المسجد أقيمت به الصلاوات للمسلمين المقيمين بالقسطنطينية وأهم تلك الفئات هم فئة التجار والصناع وغيرهم.
وكشفت الباحثة عن الجانب التسامحى للدولة المملوكية وحماية المقدسات القبطية بالأراضى المملوكية وخاصة الكنائس والأديرة ؛ مؤكدة أن سلاطين وملوك الدولة المملوكية بحكمهم وعدالتهم الدينية لم يسمحوا بإيذاء قبط مصر وجعلهم يتمتعون بحرياتهم ، فقد كانت وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبط مصر كانت من تشجعهم على العداله بين فئات الشعب المصرى سواء مسلمين أو مسيحيين .
وأضافت الباحثة أنه كان لموقع مصر الجغرافى ولبيت المقدس في فلسطين أثر كبير في الإتصال بين الشرق والغرب ، وقد خضعت لحكم المماليك ، فقد أخذ حكام الغرب يخاطبون ودهم ويرسلون إليهم السفارات خاصة لما لبيت المقدس عندهم من مكانة مرموقة وقدسية عظيمة .
فعند إسترداد صلاح الدين الأيوبى بيت المقدرس من أيدى الصلبيين طلب منه النصارى المسيحيين الإقامة بها مقابل دفع الجزية فسمح لهم صلاح الدين بذلك وقد إنقسم النصارى إلى طائفتين كاثوليك وأرثوذكس وقد ازداد عدد المسيحيين في بيت المقدس خلال العصر المملوكى وذلك بسبب سماحه السلاطين المماليك للسكان النصارى ، ومن الطوائف المسيحية فى بيت المقدس فى العصر المملوكى هو السريان والأرمن والكرج وأغلبهم ينتمون إلى الطائفة الأرثوذكسية ويطلق عليهم طائفة الروم الأرثوذكس،
ومن مظاهر التسامح الدينى تجاة الأقباط ببيت المقدس أن حرص السلاطين المماليك على منع التعدى على دور العبادة الخاصة بهم ببيت المقدس ومن الشواهد على ذلك عندما أخذ المسلمين الكنيسة المصلبة من أيدى الأقباط فى زمن الناصر محمد بن قلاوون وصلت الرسل من الجانب البيزنطى لإعادة الكنيسة وبعد إلحاح شديد من قبل الإمبراطور البيزنطى وملك الكرج تمت إعادة الكنيسة لهم .
وتناولت الباحثة دور الأزهر الشريف في دعم ورعاية علماء دول آسيا الوسطى موضحة أن من أبرز علماء الدولة العثمانية الذين جاءوا إلى مصر للتعلم والإجازة فى الأزهر الشريف هو داود الرومى القيصرى المتوفى فى سنة (750ه/1350م) وهو أول مدرس بالمدرسة العثمانية وأتم تعليمة بالأزهر الشريف ،
وكذلك الإمام العلامة فى الفقه والحديث والتفسير شمس الدين الكرمانى المتوفى فى سنة (786ه/1348م) جاء إلى الديار المملوكية فسمع صحيح البخارى بالجامع الأزهر ، ودرس التفسير على يد ناصر الدين الفارقى ؛ وأيضاً الشيخ شمس الدين الفنارى المتوفى فى سنة (834ه/1430م) بعدما أخذ فى بلاده العلم وتقفه فى علم القراءات وإبتعث على الديار المملوكية لتلقى العلوم ومجالسة العلماء فى الأزهر الشريف حيث وإزدادت درجته العلمية حتى عاد وأجاز ببلاده وقد نقل تأثرة بالدراسة بالأزهر للمدارس العثمانية؛ وكذلك ولى الدين الرومى الأزهرى المتوفى فى سنة (865ه/1452م( حيث كان من أشهر شيوخ الأزهر الشريف حيث قطن الجامع الأزهر للتعبد فيه ، وكان مشتملاً على المحاسن ويكتب الخط المنسوب ؛
أما الشيخ بدر الدين محمد بن إسرائيل المعروف بابن قاضى سماونة بعد أن أخذ علم التفسير فى الديار المملوكية وجالس علماء التفسير والفقه وعلماء الأزهر قد عاد إلى بلاده أرض الروم مرة .
وألمحت الباحثة للشهرة الواسعة للازهر الشريف في تلك الدول وخاصة العثمانيين كغيرهم من الشعوب العربية والإسلامية ، وقد أظهر العثمانيون إحتراماً عميقاً للأزهر الشريف وقد أصبحث له مكانة زائدة لديهم بعد أن دخلت مصر تحت حكم العثمانيين وسقوط الدولة المملوكية.