تطلّ علينا ذكري المولد النبوي هذا العام وسط أحداث اقتصادية واجتماعية وغير ذلك فى مصر والمنطقة وايضا فى العالم من أحداث أثَّرت فى كل مجتمعاتنا ومنها المجتمع المصري، وانتجت تلك الأحداث تداعيات كثيرة وأفرزت ظواهر ايضا نجد فيها سلبيات غريبة على مجتمعاتنا يجب مواجهتها، والمواجهة هي بالتربية، تهذيب النفس والوجدان وتأديب الروح وإخضاع الأبدان لها، والعودة بالخُلُق الي منابعها ومجامع الأدب والسلوك القويم مع الله والنفس والخَلْق كلهم، ونجد ان المولي قد أرسي قاعدة قرآنية أساسية فى هذا الإطار إذ قال سبحانه “لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” الأحزاب (21)، وهذا معناه شامل أن نهتدى بهديه ونقتدى بسلوكه وأن نحتفى به صل الله عليه وآله وسلم ونذكره ونذكر أفعاله على الدوام قولا على ألسنتنا، وفعلا تجري به جوارحنا، وأن كل هذا لا يتأتَّي فهمه ولا الوقوف عليه حقا، إلا بالتأمّل التام بالغوص فى شخصية هذا النبي العظيم الخاتم لجميع الرسل وسيّدهم وإمامهم وحبيب ربّ العالمين.
فلنتساءل: لم جعله الله فى هذه المكانة وخصّه بهكذا مقام متفق عليه بين جميع المسلمين بل ان هناك غيرهم من يقرّ له بذلك؟ بنظرة عميقة الي شخصيته تجده صادقا مخلصا أمينا مع نفسه وربّه والناس، عادلا ينتصف للناس ولو من نفسه، حكيما حصيفا كيِّسا بليغ العبارات قوي الحجّة ثابتاً على مبدأه لا يغيّره ولا يتراجع عن الحق مهما تكلّف من جهد وصبر ومعاناة، ولنا فى حادثة قولته الشهيرة لعمّه أبي طالب مثال واضح (والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يميني والقمر فى يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتي يظهره الله أو أهلك فيه) وتجده موقنا تمام اليقين بالله تعالي متوكّلا عليه لا يهاب فيه شيئا ويأخذ بالأسباب الموصلة للنجاح فيما يريد ويرضي الله وكان مجاهدا مقاتلا مواجها للصعاب قويا على الظالمين رحيما رؤوفا بالمؤمنين حريصا عليهم ورفيقا بالضعيف والمسكين وأيضا موقرا للشيوخ حانيا على الأطفال راعيا للنساء ولحقوقهن منتصفا لهن موصيا بضرورة إكرامهن وعدم التعرّض لهن بالإيذاء و لو فى المعارك، وكان فوق ذلك عابدا موحّدا ناسكا زاهدا مقرّا بألوهية الله وربوبيته وكان لذلك صاحبا بجدارة لمكانته التى خصّه الله بها ولم تكن لغيره من قبله ولا تكون لغيره من بعده، وكان يقوم الليل حتي تتفطَّر قدماه، ولما سُئل عن ذلك وقد غفر له ذنبه ما تقدّم وما تأخر قال (أفلا أكون عبدا شكورا) إذن فإن هذا النبي جعله الله مدرسة كاملة لأتباعه وأن الإحتفاء به بطريقة الأعراس ليس لائقا به وبمكانته وبتراثه الذي تركه (إني تارك فيكم الثَقَلَين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) إذن هذه وصيته لنا وفينا ان نتّبعه بتلمّس فعله وسلوكه فى هذين الثقلين الذين يَرِدَان على الحوض سويا لملاقاته يوم المحشر والحساب العظيم وأن احتفاءنا به يجب أن يكون دوما عبر هذا الباب ألا وهو تبيان منهاجه والتذكير به والإتصال به عبر القرآن وأهل بيته الطيبين السائرين على منهجه العارفين بصحيح تأويل القرآن (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران 31، قاعدة بسيطة واضحة ومختصرة اذا اتخذناها سبيلا الي الله وصلنا واقتدينا واهتدينا برسوله المعلّم والمربّي العظيم الذي اصطنعه لذلك وخلقه وكلّفه بما كلّفه وحمّله بما احتمل من امانة اداها بصدق واخلاص، واخيرا اتخاذ التأسّي ببنيان شخصيته الأساسي ألا وهو التوحيد والعبادة لله سبحانه والتبرّؤ من كل ما سواه (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة يوسف: 108، هكذا يكون الاحتفاء برسول الله.