” ميلاد النبى – صلى الله عليه وسلم- نور أضاء الكون والحياة”
إذا كان للزمان دلالة إفصاح لقال – بلسان حاله- بأنه ازدان واستنار بميلاد النبى – صلى الله عليه وسلم – ولو سئلت الأيام عن يوم المولد الشريف لاختارت البقاء دون ارتحال .
ولم يقف النور على مناط المعنى بل تعداه إلى الحس المعنوى أيضا ؛ حيث رأت آمنة أنه خرج منها نور أضاءت له القصور , وهذا إيذان بعالمية النور المحمدى من مهده – صلى الله عليه وسلم – ومن ثَمَّ أعلم الله – تعالى – الكون كله بميلاد النبى – صلى الله عليه وسلم – بطريقة فريدة تزعزع منها رمز الشرك فى العالم قاطبةً حيث تكسرت شُرَف الإيوان الكِسْروى , وغاضت بحيرة ساوة , وانطفأت نيران المجوس , كأن الكون كله يقول – بلسان الحال- : لقد ولى عهد الشرك والوثنية , وحل النور المحمدى يعبق الآفاق , ويملأ الأرجاء بأضواء الهداية , وسُرُج الصلاح والفلاح.وفى هذا يقول النبى – صلى الله عليه وسلم – :” أنا دعوة أبى إبراهيم وبشرى أخى عيسى ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام”.
ورافق هذا النور محمدا – صلى الله عليه وسلم – ديمةً . ففى رضاعه بدت أنوار معنوية وحسية عظيمة مثل : شدة سير أتان حليمة بعد أن أذمت بالركب وتأخرت عنهم , وإقبال اللبن من حليمة مدرارا, وكان أخوه الذى كان يرضع معه لايبيت قارًّ هنيئا فلما قارنه النور المحمدى على صدر حليمة ارتوى وقر وهنئ , ومنها : اخضرار أرض بنى سعد بعد أن كانت جافة قاحلة . ومنها : شبع المراعى والرعاة بسبب هذا الخير الهتَّان.
وبلغ من شدة هذا النور الذى أضاء الكون والحياة أن بدد ظلمات الشيطان فى الأرض فأخذت النار الشيطانية تتهتك وتتفكك أمام النور المحمدى . ففى مسند بقى بن مخلد أَنّ إبْلِيسَ – لَعَنَهُ اللّهُ – رَنّ أَرْبَعَ رَنّاتٍ رَنّةً حِينَ لُعِنَ وَرَنّةً حِينَ أُهْبِطَ وَرَنّةً حِينَ وُلِدَ رَسُولُ اللّهِ – صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ – وَرَنّةً حِينَ أُنْزِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ . قَالَ وَالرّنِينُ وَالنّخَارُ مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ .وازداد النور حتى وصل إلى عباهلة اليهود وسادتهم وعلمائهم حيث قالت الروم لقيصر : لقد ظهر نجمه , وحتى قال قيصر لأبى سفيان بن حرب لما سأله عن محمد ودينه :” فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ…”وفى يثرب عرفه اليهود حيث كانوا يقرؤون الكتاب المقدس يقول حسان بن ثابت – رضى الله عنه- :” وَاَللّهِ إنّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ أَعْقِلُ كُلّ مَا سَمِعْت ، إذْ سَمِعْت يَهُودِيّا يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أَطَمَةٍ بِيَثْرِبَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ حَتّى إذَا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ قَالُوا لَهُ وَيْلَك مَا لَك ؟ قَالَ طَلَعَ اللّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدَ الّذِي وُلِدَ بِهِ .”
ورأى جده رؤيا ذكرها على القيروانى فى كتاب ” البستان :” قَالَ كَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ قَدْ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنّ سِلْسِلَةً مِنْ فِضّةٍ خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ لَهَا طَرَفٌ فِي السّمَاءِ وَطَرَفٌ فِي الْأَرْضِ وَطَرَفٌ فِي الْمَشْرِقِ وَطَرَفٌ فِي الْمَغْرِبِ ثُمّ عَادَتْ كَأَنّهَا شَجَرَةٌ عَلَى كُلّ وَرَقَةٍ مِنْهَا نُورٌ وَإِذَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَأَنّهُمْ يَتَعَلّقُونَ بِهَا ، فَقَصّهَا ، فَعُبّرَتْ لَهُ بِمَوْلُودِ يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ يَتْبَعُهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَلِذَلِكَ سَمّاهُ مُحَمّدًا.”وكان النبى – صلى الله عليه وسلم – نورا فى جبهة أبيه عبد الله .
وفى الختام أقول أن ذلك النور المصاحب لميلاده إيذان بالنور المصاحب لميعاده يوم يلوذ به الخلائق .جعلنا الله وإياكم أهلا لكرامته وشفاعته إنه أعظم مأمول وأكرم مسئول .