لكي نتحدث عن هذا الموضوع نقسمه إلى تمهيد وعدة عناصر
فأما التمهيد فأقول فيه :
مسألة التحليل والتحريم أو بمعنى آخر مسألة الحل والحرمة ليست بيد أحد أيا كان ملكا مقربا، أو رسولا مرسلا بل المختص بذلك وحده ووحده لاغيره الله جل جلاله قال رينا سبحانه :(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا غلى الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون )٠
وقال سبحانه :(قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حلالا وحراما قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون )٠
وفي آيات كثيرة من كتاب ربنا عز وجل نسب المولى سبحانه التحليل والتحريم إلى نفسه ،قال سبحانه :(فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم )
وقال عز وجل :(وعلى الذين هادوا حرمنا قل ذي ظفر )وقال :(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم)وقال المولى الكريم : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ))٠وقال سبحانه منكرا على القوم الذين ينازعونه مسألة التحليل والتحريم :(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق )٠
ولذلك كره بعض أهل العلم رغم وضوح المسألة محل الفتوى عنده وأنها من المحرمات بيقين وحتى لا ينازع الله في التحليل والتحريم كان يقول : أكره كذا بدلا من أن يقول وأحرم كذا ٠
وبعد هذه المقدمة أقول يمكن تقسيم هذا الموضوع حتى يتكامل أن نقسمه إلى العناصر الآتية :
أولا : تعريف الطلاق ٠
ثانيا : هل الأصل في الطلاق الحظر أم الإباحة ٠
ثالثا : الحكمة من مشروعية الطلاق ٠
رابعا : أنواع الطلاق ٠
خامسا : حكم وقوع الطلاق الشفوي ٠
ونسأل الله التوفيق والتأييد والترشيد والتصويب ٠
أولا : تعريف الطلاق
تعريفه لغة الإطلاق والإرسال والحل يقال أطلقت الناقة من عقالها أي أرسلتها وخليتها ٠
تعريفه شرعا
رفع الحل الثابت بعقد النكاح بلفظ الطلا ق ونحوه فالمرأة٠ بعقد النكاح كانت حلا لا لزوجها وبإيقاع الطلاق عليها رفع هذا الحل وانتهى ،وأصبحت عليه حراما ٠
العنصر الثاني :
هل الأصل في الطلاق الحظر أم الإباحة ؟؟٠
معني هذا العنصر هل الأصل في الطلاق التحريم ولا يحل إلا بداع قوي يدعو إليه ويستوجبه ولا يكون إلا بسبب تستحيل معه الحياة الزوجية ،ام أن الأصل فيه الإباحة أي للزوج أن يستعمله بسبب أو بغير سبب ،بداع او غير داع يدعو إليه ؟؟؟٠
اختلف في ذلك الفقهاء فمنهم من قال : إن الأصل في الطلاق الحظر أي التحريم ولا يشرع إلا بداع قوي يدعو إليه كأن تغدو الحياة الزوجية واستمرارها شبه مستحيلة ،وهذا ما أرجحه وأقول به لأنه هو المناسب لأبناء هذا الزمان الذي فلت عيارهم في كل شيء ولا يرقبون في زوجة إلا ولا ذمة ٠
ومنهم من قال : إن الأصل فيه الإباحة اي يجوز للزوج أن يلجأ إليه بسبب وبغير سبب وهذا لا تطمئن نفسي إليه ولا أفول به لما في الطلاق من أضرار مميتة لجميع الأطراف ففيه تخريب للبيوت ،وتشريد للأولاد وضياعهم وتركهم بلا عائل مما يجعلهم عبئا عالة على المجتمع ويلجئهم إلى سؤال الناس إلحافا ،كما أن في الطلاق ضررا واقعا على الزوجة من تركها بلا عائل وبلا مورد رزق ٠
والقائلون بأن الأصل في الطلاق الحظر لا يمانعون من اللجوء إلى الطلاق واستعماله إلا انه يكون عندهم عند اليأس من العلاج الذي طرق بابه أكثر من مرة دون جدوى حينئذ لا يمانعون من تطبيق قول الحق عز وجل :(وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته )٠
ولسنا كغيرنا نقول بأبدية الزواج وتأبيده ولو كان الطرفان كارهين لبعضهما لكنا نقول به ضرورة من باب آخر الدواء الكي ٠
العنصر الثالث : الحكمة من مشروعية الطلاق ٠
لكي أبين الحكمة من مشروعية الطلاق أقول :
إن الزواج المثالي الناجح هو الذي يكون بين زوجين مثاليين متآلفين متحابين منسجمين ،وتحقق بهذا الزواج السكن الذي يعني الهدوء ولاستقرار والهناء والسعادة وبالجملة تحقق فيه قول الحق سبحانه ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )٠
أي كان بيت الزوجية ترفرف عليه السعادة بأجنحتها ،ومحاطا بالنعيم وكان صورة مصغرة من نعيم الجنة ٠
أما إذا لم تتحقق في الزواج المعاني النبيلة السابقة والقيم الفاضلة وانقلب إلى صياح وعراك وتبودلت فيه الشتائم والسباب والضرب المبرح الذي نهى عنه الإسلام ،وأثر هذا الجو المليء بالأنواء والعواصف والرعد والبرق أثر ذلك على نفسية الأولاد وخفض معنوياتهم واستحالوا عصبيين او أن شئت قلت : مرضى نفسيين ،فحينما يصل الأمر بالأسرة إلى هذا الحد صورة مصغرة من جهنم الكبرى أليس من الأوجب في هذه الحالة فصل القوات بينهما عن طريق الطلاق ،ولهذا شرع فسبحان من هذا شرعه !!!!٠
العنصر الرباع : أنواع الطلاق ٠
للطلاق أقسام باعبارات مختلفة على النحو الآتي :
١ فباعتبار صيغته ينقسم إلى صريح وكناية والصريح ما لا يحتمل إلا الطلاق كقوله لزوجته: طلقتك أو أنت طالق ومثله الفراق والسراح والكنائي ما احتمل الطلاق وغيره كقوله لزوجته استري رأسك أو الزمي بيت أهلك وحينئذ لا يقع الطلاق إلا إذا نواه أما الطلاق الصريح فيقع وإن لم ينوه حتى ولو كان مازحا ٠
٢ وينقسم الطلاق باعتبار تنجيزه وتعليقه إلى طلاق منجز وهو الذي تترتب عليه أثار الطلاق في الحال كأنت طالق وأما المعلق فمثاله أن يقول لها إن كلمت جاري فلانا فأنت طالق ولا يقع به الطلاق إلا إذا نواه وإن لم ينوه فلا يقع وعليه ان يكفر كفارة يمين في أحد قولي أهل العلم ٠
٣ وينقسم الطلاق باعتباركونه رجعيا أو بائنا قسمين : الطلاق الرجعي أي الذي تشرع فيه الرجعة أي أن يراجع زوجته إلى عصمته طالما كانت عدتها باقية لما تنته بعد وهو ما كان للمرة الأولى أو الثانية ٠
والطلاق البائن ينقسم قسمين :
ا بائن بينونة صغرى وهو ما كان للمرة الأولى أو الثانية ولم يراجع الزوج زوجته حتى انقضت العدة وحينئذ لا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين ٠
ب بائن بينونة كبرى وهو المكمل للثلاث وحينئذ لا تحل له إلا بتطبيق قول الله سبحانه :(فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) نكاح رغبة وديمومية وليس نكاح تحليل ٠
العنصر الخامس : حكم الطلاق الشفوي ٠
الطلاق الشفوي واقع بإجماع أهل العلم