كتب / جمال فتحي
واصل منتدى أبو ظبي لتعزيز السلم برئاسة العلامة الشيخ عبد الله بن بيّه رئيس المنتدى ورئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي الحفر والتنقيب عن ينابيع التسامح وآبار السلام وذلك عبر ملتقاه التاسع الذي انعقد مؤخرا بأبي ظبي تحت عنوان” عولمة الحرب وعالمية السلام/ المقتضيات والشراكات” وقد أخذ الملتقى على عاتقه منذ تأسيسه مارس عام 2014 حيث تتسع دوائر تأثيره يوما بعد يوم زرع قيم المحبة في القلوب وغرس بذور السلام في النفوس ونشر عطر التسامح في الوجدان كما يسعى المنتدى للتفتيش عن فرص الأمل الممكنة في حياة آمنة مطمئنة وسعيدة تليق بإنسان هذا الزمان وذلك عبر خطابات دينية ومعرفية وإنسانية عقلانية مستنيرة تعيد النظر في حقيقة الإيمان بالله وبالأوطان وفي علاقة الإنسان بالإنسان وقد استضاف ملتقى هذا العام وكعادته نخبة بارزة من رجال الدين والمفكرين والقيادات الروحية من جميع أنحاء العالم ومختلف الأديان والعرقيات وتحديدا حضر 500 شخصية عالمية من 60 دولة وممثلون ل 30 منظمة رائدة في صناعة السلام، وذلك للنقاش والحوار وطرح الأفكار والبحث المتواصل عن جبل ترسو عليه سفينة البشرية وكان معالى الشيخ نهيان بن مبارك وزير التسامح قد افتتح فعاليات الملتقى الذي يقام برعاية سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي و بحضور رئيس المنتدى الشيخ العلامة بن بيّه وكبار الضيوف والشخصيات من البلدان كافة و تمثلت موضوعات الملتقى في عدة محاور هى:
“التحديات الأمنية الجديدة في ظل التطورات الحاصلة في النظام الدولي./ التحديات الوجودية للسلم العالمي على مستوى الغذاء، الصحة، البيئة،/ دور القيادات الدينية في تحقيق السلم العالمي/ أهمية الشراكات والتحالفات في حفظ السلم العالمي/ عولمة الحروب وتحديات الأمن الروحي والنفسي” تم ذلك عبر عدد من المحاضرات الرئيسية والجلسات فضلا عن عدد من الورش أقيمت بالتوازي شكلت جميعها لوحة الملتقى ورسمت ملامحه النهائيه
(محاضرات وورشات)
ومن عناوين بعض هذه المحاضرات نذكر: أزمة النظام الدولي والتحديات الأمنية الجديدة، التحديات الحيوية للسلم العالمي( الغذاء والصحة والبيئة)، الأمن الثقافي العالمي والتحولات الرقمية، دور القيادات الدينية في تحقيق السلم العالمي، ضرورة الشراكات لتحقيق السلم العالمي، الأمن الروحي والتحديات النفسية وعولمة الحروب،
( أسئلة وتساؤلات )
وبنظرة عامة على أجواء الفعاليات نجد أن روح التساؤل هيمنت على جلسات الملتقى و أخذت أشكالا وتجليات شتى بحثا عن إجابة ما تهدي خطوات الإنسان الحائرة إلى طريق” السلام” الآمن وسط هذا الجنون( الحرب) الذي تعيشه البشرية.. وبين عولمة الحرب وعالمية السلام كما أشار عنوان الملتقى والمسافة بينهما من مشتركات ومقتضيات سكنت تلك التساؤلات عقول الحاضرين وضمائرهم في انتظار إجابات تشكل طريقا آمنا إلى الهدف المنشود.
(كلمة الشيخ العلامة بن بيّه)
وقد بدأ الشيخ العلامة عبد الله بن بيّه رئيس المنتدى طرح أهم وأعقد تلك التساؤلات في افتتاح الملتقي عندما قال: إننا أمام تحديات خطرة تواجه البشرية نقف متسائلين: عن كيفية دفع خطر الصراعات المسلحة؟ وكيفية إنقاذ سفينة البشرية من الاصطدام بجبل الجليد الذي نسير نحوه بسرعة فائقة رغم أننا نراه؟!
تساءل أيضا الشيخ العلامة عن دور القيادات الدينية والروحية في مواجهة الأزمات ومدى إسهامهم في تجاوز التحديات الناشئة عن الصراعات والتناحر؟ كما انشغل بسؤال عن كيفية الوصول إلى حلول مبدعة في مسألة توفير الغذاء والدواء لفقراء العالم، المزيد من الأسئلة تضمنتها كلمة رئيس منتدى أبو ظبي لتعزيز السلم حيث تساءل كذلك عن كيفية تعزيز جهود السلام لتصل إلى شرائح واسعة من العالم؟
قال أيضا في كلمته للحاضرين: إننا نستشعر جميعا بالحاجة إلى أن تتكامل أدوارنا، لنسهم في استعادة الضمير الأخلاقي للإنسانية، والذي يعيد الفاعلية لقيم الرحمة والغوث ومعاني التعاون والإحسان.
قال أيضا : لقد عملنا في السنوات الماضية بالشراكة مع كثير من الهيئات والشخصيات الحاضرة على دعوة السلم لشعورنا أنها دعوة لازمة وضرورة ملحة، لكن هذه الضرورة تتأكد عندما تظهر الحروب وتراق الدماء وتستخدم القوة العنيفة بحيث يصبح التهديد عالمياً؛ ولذا قلنا إن هذه عولمة الحرب ينبغي أن تقابل بعالمية السلام.. وقد وجه الشيخ بن بيّه إلى ما يمكن أن تسهم به القيادات الدينية في العالم للوصول إلى محطة السلام نشير هنا لبعضها باختصار:
– الدعوة إلى الحوار كوسيلة لا بديل عنها وطريق لا بد من سلوكها للوصول إلى السلام. (اللسان بدل السنان)،
– القيام بدور الاطفائي الذي لا يسأل عن المتسبب وإنما كيف نطفئ الحريق.
– العيش بروح ركاب السفينة. وهو الوعى بالمسئولية المشتركة والمصير الواحد ما يسميه البعض (مواطنة كونية).
– ضرورة التزام القيادات الدينية بالبحث في نصوصها المقدسة وتراثها الديني وتقاليدها الأصيلة عن مسوغات السلام.
– تشكيل وفود من القيادات الدينية والروحية للوساطات والمصالحات، وبناء الجسور وفتح باب الحوار بين أطراف النزاعات المشتعلة
– تفعيل الوثائق والمواثيق التي صدرت عن الجهات والمراجع الدينية المتضمنة دعوة للسلام.
(محاضرات وجلسات وورش)
الكثير من الأسئلة أيضا طرحها المشاركون عبر كلماتهم وأوراقهم البحثية وخلال المحاضرات والورشات المقامة ضمن فعاليات الملتقى تضمنت مثلا المحاضرة الأولى النظر في أزمات النظام الدولي وتحدياته الأمنية متضمنة عدة تساؤلات منها: كيف يمكن ضبط اتجاهات النظام الدولي؟ وهل مازالت مرجعيات ذلك النظام المترتبة على الحرب العالمية الثانية صالحة لتسيير الصراعات الراهنة وضمان السلم العالمي أم هناك ضرورة لتأسيس نظام عالمي جديد ذو بعد أخلاقي؟
إحدى المحاضرات الرئيسية أيضا ناقشت ما شهدته البشرية من تقدم تكنولوجي هائل وعلاقة ذلك بالخصوصيات الثقافية وتساءل المشاركون عن مدى قدرة الكيانات الثقافية على الحفاظ على هويتها بعد هيمنة الثورة التكنولوجية واندياح العالم الرقمية كيف يمكن الحفاظ على الخصوصية الثقافية أمام ذلك الانفتاح الكبير وسوق الأفكار التي تتحكم فيها شركات عملاقة تسعى إلى تنميط الثقافة؟
وفي محاضرة أخرى ناقش المشاركون فيها تحديات غياب الأمن الغذائي والصحي والبيئي؟ وكيفية توفيره وتضمنت سؤالا حيويا عن ماهية الطرق الناجعة لمواجه المخاطر المحدقة بالأمن الغذائي والصحي والبيئي ؟و كيف السبيل إلى رفع منسوب أداء المؤسسات الدولية للصحة والزراعة والغذاء تحقيقا للعدالة والتوازن بين الأغنياء والفقراء؟
وقد خصصت محاضرة لمناقشة دور القيادات الدينية والروحية في حفظ السلام وتعزيز قيم التعايش، ومدى ما يمكن أن يسهموا به في ميادين التناحر وعما إذا كان بإمكان تلك القيادات الفصل بين واجبها في تعزيز السلم وبين ما يفرضه عليها موقعها من التزامات دينية؟ ثم هل يمكن أن توسع القيادات الدينية مجالات عملها لتشمل البيئة والتنمية المستدامة؟
فيما واجهت محاضرة ضمن المحاضرات الرئيسية مهمة التصدي لتسليط الضوء على الآثار النفسية والروحية التي تنشأ عن الحروب والنزاعات وطرح سؤال عن حقيقة العلاقة بين عولمة الحرب والمشكلات النفسية في العالم وكيف يمكن التعافي من تداعيات الحروب النفسية على المجتمعات؟ و كيف يمكن لجهود السلام أن تساعد في تخفيف تلك الآثار وتحولها من القلق إلى السكينة؟
وقد أسهمت عدد من الورش كذلك في تتمة مشهد الحوار المفتوح من خلال تعرضها لعدة موضوعات ومحاور منها: المبادرات والشراكات في خدمة السلم العالمي، النظام الدولي والتحديات الأمنية، ورشة التضامن الإنساني والسلام العالمي، القيادات الدينية والروحية والسلم العالمي، الشباب والسلم العالمي، المرأة ومقتضيات السلم العالمي، المشكلات النفسية وعولمة الحرب، الأمن الروحي والأخلاقي في مواجهة الحرب
(أبرز الضيوف)
وجدير بالذكر أنه من بين ضيوف الملتقى حضر الكاتب أحمد المسلماني رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية ( مصر)، الأب يؤنس لحظي السكرتير السابق لقداسة البابا(مصر)، د. نصر محمد عارف نائب الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ( مصر)، معالى الدكتور أمين معروف نائب رئيس جمهورية إندونيسيا، معالى حسين إبراهيم طه أمين عام منظمة العالم الإسلامي، السفير رشاد حسين السفير المتجول للحريات الدينية في وزارة الخارجية الأمريكية، نيافة القس أنتوني بال الأسقف المساعد في أبرشية مصر ورئيس كنيسة القديسة مارغريت كنيسة الرعية التابعة لمجلس العموم البريطاني، الحاخام إفرايم ميرفيس كبير حاخامات المملكة المتحدة والكومنولث، معالى الدكتور الداه ولد اعمر طالب وزير الشئون الإسلامية موريتانيا، معالى الدكتور قطب مصطفى سانو الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بالسعودية، د. عزة كرم الأمين العام لمنظمة أديان من أجل السلام/ هولندا، البروفسير ضمير محي الدنينوف النائب الأول لرئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية، السيد الحاج كارامو جاورا وزير الشئون الدينية ( غينيا)، نور الحق قادري الوزير الاتحادي للشئون الدينية والوئام بين الأديان ( باكستان)، عبد الحميد عشاق منسق موسوعة السلم في الإسلام( المغرب)، الشيخ غاندي مكارم شيخ طائفة الموحدين الدروز( لبنان)، د. رحيمة عبد العليم خبيرة في الشراكات والسلام، معالى الدكتور محمد كوني، وزير الشئون الدينية بدولة مالي، فضلا عن عدد كبير من الضيوف ربما لا يتسع المقام لذكرهم جميعا لهم كل التقدير والاحترام.