كتب مصطفى ياسين
أكد علماء ورجال الدين الإسلامي والمسيحى، وخبراء حقوق الإنسان والحريات، وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ وممثلي منظمات المجتمع المدني، أن مصر تتفرد بتنوعها الثقافي والحضاري، وسبقها لترسيخ قيم المواطنة وتعميق الانتماء والولاء، وزادت هذه الميزة مع الدولة المصرية الحديثة وهى تستعد لبناء الجمهورية الجديدة، مشيرين إلى أن الدين والمواطنة تعاضد ومشاركة لا تعارض ومنافرة، وأن المجتمع بحاجة لتجديد المواطنة كالحاجة لتجديد الخطاب الدينى تماماً، وأفضل الآليات هى الجانب الاقتصادي.
جاء ذلك خلال مؤتمر “نحو مواطنة داعمة للتنوع الثقافي”، والذي ينظمه منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، حالياً بأحد فنادق القاهرة.
أكد د. أحمد بهي الدين، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب، فى كلمته التي ألقاها نيابة عن د. نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، أن مصر تميزت بتنوع ثقافاتها وكلها متشابكة فى نسيج واحد وهو النسيج الوطنى وتفاعلت مع الثقافات المختلفة حيث تواصلت مع حضارات العالم القديم والحديث، مشيراً إلى أن الحيوية الثقافية شكلت وجدان الشعب المصرى وحصونهم وأكسبتهم القدرة على المقاومة عبر الزمان ،ومصر واحدة من أولى الدول التى وقعت اتفاقيات متعددة فى التنوع الثقافى.
أشار إلى أن استراتيجية وزارة الثقافة تقوم على تعزيز واحترام التنوع وتمكن المصرى من إدراك تاريخه وثرائه الحضارى، وأن تكون الثقافة مصدر قوة لتحقيق التنمية وتعمل الوزارة على ترسيخ قيم المواطنة وتعميق الولاء والانتماء وتنمية الموهوبين والمبدعين ودعمهم
قضية متجددة
أعرب د. أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الإجتماعية، عن تقديره لدور الدولة المصرية، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي ومجهوداته في دعم قضية المواطنة، من خلال إجراءات وقرارات عملية أبرزت التوجه الجاد من جانب الدولة في المضي نحو تحقيق المواطنة وتعزيزها ودعمها.
موضحا إن النقاش حول قضية المواطنة لا يتقادم ولا يفقد أهميته؛ فهي مفهوم شاملٌ وعمليةٌ مستمرةٌ من التشكيل والتطبيق والتطور وفقًا لاحتياجات المجتمع المتجدِّدة والمتعدِّدة. والخطير في قضية المواطنة أنها تظل مجرد فكرة أو شعار سياسي ما لم تنتقل إلى الممارسات العملية ويستوعبها العقل الجمعي ويعمل في إطارها. كما أن مفهوم المواطنة لا يتحقق له النضوج في فعله المجتمعي والسياسي إذا لم يكن مراعيًا لكل أوجه الاختلافات الثقافيَّة داخل النسيج الاجتماعي.
اضاف: الهوية هي الحقيقة التي تشكل خصوصية الفرد وتميُّزَه عن غيره، وهي تتضمن عدة أوجه (العمر، الجندر، الخلفية الاجتماعية، الديانة، الثقافة، الانتماء الوطني، اللغة، المهنة، فلسفة الحياة… إلى آخر ذلك)؛ فهوية الفرد الذاتية هي واحدةٌ وفريدةٌ، لكنها تتكون من انتماءات متعددة. هذه الهوية الفردية تشكل العلاقة مع الآخر، فهي لا تنفصل عن حياة الفرد الاجتماعية والوطنية، بل إن هذه الجوانب تسهم في تحديد المفهوم الذاتي للفرد. إذن العلاقة مع الآخر المختلف، في سياق تعددي، هي عامل رئيس في تحديد هويتي.
وحينما نتطرق إلى مفهوم التنوع الثقافي لا نشير إلى تصادم أو تصارع بين هويَّات متعددة، إذ إن تحديد مفهوم التنوع الثقافي حسب ما جاء في إعلان اليونسكو العالمي يؤكد على “تجلي هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميِّزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية”، ويصفه بأنه “مصدر للتبادل والتجديد والإبداع وأنه ضروري للجنس البشري… وبهذا المعنى، فإن التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر والمستقبل”.
وتختلف تعريفات التنوع الثقافي بين المجالات والحقول المعرفية المختلفة؛ بين الأنثروبولوجي والعلوم السياسية وعلم الاجتماع، ورغم هذا الاختلاف، يتمثل الهدف الرئيس من دراسة هذه القضية والنقاش بشأنها في إدراك أهمية احترام هذا التنوع في إطار المواطنة
كما يتصل مفهوم التنوع الثقافي اتصالًا وثيقًا بإشكالية الوحدة في إطار التنوع والانسجام في سياق احترام الاختلاف، ونظرًا لأن مفهوم المواطنة يقدم إطارًا قانونيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا للتعايش الإيجابي بين مواطنين متنوعين ثقافيًّا، فإن هذا يؤكد على ضرورة دراسة العلاقة بين المواطنة والتعددية الثقافية، تدعيمًا للتنوع الثقافي في بناء المجتمع، ودعمًا لعلاقة الانتماء المشترك في الوطن الواحد.
وإذا نظرنا إلى الحالة المصرية، نجد بلدًا غنيًّا بالتعدُّديّة والتنوُّع؛ ليس فقط على المستوى الديني، لكن أيضًا على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي. وهذه التعددية في أي مجتمع إن أُحسن التعامل معها، تخلق حالة من الغنى والثراء، وتكون فرصة عظيمة للنهوض بهذا المجتمع. وهو ما أكد عليه الدستور المصري في المادة 50 والتي تنص على أن “تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته وراحله الكبرى؛ المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته…”، وتؤكد على أن الدولة “تولي اهتمامًا خاصًّا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية في مصر”.
وواحد من أهم آليات إدارة التنوع هو التماسك الاجتماعي الذي يتحقق بتحطيم القوالب التي تصنف الآخرين؛ فالتصنيف والوصم يساهمان في هدم الآخر واستبعاده، والتعامل مع كل دعاوى الكراهية التي لا تفكر في مصلحة الوطن واستقراره وأمنه.
وقال د.اندريه، يمكننا تعريف المواطنة باعتبارها “عملية شاملة تتجاوز المساواة لتصل إلى العدالة بواسطة ربط الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. وبأنها تفاعل بين الناس والجغرافيا، وتتعلق بحقوق المواطنين وتتصل بالمكان المقيمين عليه، وتعزز من شرعية كلٍّ من المفهوم الإقليمي والوطني.
وعلى المستوى السياسي، يتنامى مفهوم المواطنة من خلال التعايش ومجتمع المساواة، لكن هذه المساواة لن تتحقق على المستوى السياسي بمفرده.
لذا يحتاج النقاش حول المواطنة إلى الاهتمام بالتنوع الثقافي والديني في المجتمع، وهي آلية لا تنحصر في النطاق السياسي، بل ترتبط أيضًا بالعمل المجتمعي. وهنا يتجلى دور المجتمع المدني ليمدنا بالأرضية التي تعزز المواطنة.
وأكد إن نشر ثقافة التنوع والتعددية للوصول إلى مواطنة داعمة للتنوع، هو عملٌ تتشارك فيه أطرافٌ متعددة؛ فالدولة من خلال التشريعات والإجراءات وسيادة القانون، والمؤسسة الدينية من خلال الحرص على خطاب ديني متسامح داعم لقبول الآخر والعيش المشترك والصالح العام، وكذلك الفن بكل ما يمتلك من أدوات يستطيع دعم التنوع الثقافي والتركيز على مفهوم المواطنة والصالح العام كإطار للتعددية الثقافية وحماية التنوع الإيجابي المرتكز على احترام حقوق الإنسان. مؤسسات التنشئة (الحضانات والمدارس والجامعات) عليها دور أيضًا لدعم ثقافة التعددية والتنوع.
اوضح أن المواطنة الداعمة للتنوع الثقافي تنظر إلى التعددية باعتبارها فرصة، وتعمل على تعزيزها وتحسن إدارتها، في سبيل دعم استقرار الوطن وسلامته وتقدمه.
في هذا الإطار أؤكد أـن الحالة المصرية ليست بعيدة عن هذا، وأن ما تقوم به الدولة في هذا السياق يدفع بهذا الاتجاه، وأن التغيير الفكري والثقافي يحتاج إلى وقت، وسيتحقق بكل تأكيد طالما أن هناك إرادةً وعملًا جادًّا مخلِصًا.
وانتقد الشيخ جابر طايع، وكيل وزارة الأوقاف سابقاً، منهج بعض وسائل الإعلام فى إثارة الفتن والنعرات الطائفية في وقت نحن أحوج ما نكون للوحدة الوطنية وترسيخ ثقافة الانتماء والتسامح.
المؤسسة الدينية
وفى جلسة دور المؤسسة الدينية في دعم التنوع، التى أدارها الصحفى عماد حسين عضو مجلس الشيوخ، أكد د. محمود الهوارى، أمين مساعد مجمع البحوث الإسلامية بالازهر، أن الدين لا يتناقض مطلقا مع التنوع والتعدد الثقافى، والقرآن الكريم كتاب ايمانى لم ينس الإنسان، والتنوع ضرورة لحكمة إلهية، والمفروض على الإنسان احترام هذا التنوع. لكن دون تعريض الهوية الوطنية للخطر، وهى ذات مكونات يجب احترامها.
اضاف: كثر الحديث عن تجديد الخطاب الدينى، لكن الحقيقة أننا نحتاج لتجديد المواطنة، وهذا يقتضي سلوك حضاري صحيح ، وفى الأزهر لدينا عدة مسارات تدعم المواطنة، ومنذ ١٠ سنوات حددنا مفاهيم المواطنة، مرادفا أن هذا يتطلب التشبيك المجتمعى واقامة علاقات مع كل المؤسسات في المجتمع، فالمكون الدينى مهم للجميع، ثم المطبوعات والمبادرات المختلفة في كل مكان في مصر.
موضحاً أن التنوع شئ طبيعى بالفطرة لاستمرار الحياة والأهم هو قدر احترامنا لهذا التنوع، فالنصوص الشرعية تعضده لكن الأزمة فى سوء الفهم والتدين المغشوش أو السلوك غير السوى وهذا لا ينبغى انعكاسه على الأصل.
وطالب د. الهوارى، بترسيخ المشاركة الحياتية فيما بين أفراد المجتمع، بالمشاركة الاقتصادية، وتعظيم الموجود فعلاً بدلاً من الشكل التلقينى الوعظى، والتنسيق بين المؤسسات لعدم إهدار المجهود.
عابر للثقافات
وأشار القس امير ثروت، راعى الكنيسة الإنجيلية المشيخية بالفجالة، إلى أن الفكر اللاهوتى يدعو للتنوع الشامل لأن الله يريد للبشر هذا التنوع العابر للثقافات، ونحن نعيش ثقافة ما بعد الحداثة، والسوشيال ميديا تعرض تنوعاً غير مسبوق، وبعضها يهدم هذا التنوع ، ٧٠ بالمائة مما يصدر في الميديا يخرج من امريكا، والفكر الديني لا يقف ضد التنوع، لدينا ١٠ آلاف دين فى العالم، والميديا الحديثة تزيد من هذا التنوع.
انتقد الآليات التى لا تتعامل مع الواقع بمشكلاته حتى تكون وتمثل التغيير.
وقال القس أرميا عبده، بنى سويف، نحتاج بناء حائط صد لحماية الفكر التكوينى للمواطنة والانتماء لمواجهة التعصب والتشدد فى كل المجالات.