فى الرابع عشر من يناير عام 2019 رحل عن عالمنا المؤرخ الدكتور محمود معوض جامع، الصديق الشخصى للشيخ محمد متولى الشعراوى والرئيس محمد أنور السادات، ومؤلف كتابي: «عرفت السادات» و»عرفت الشعراوي» وعضو مجلس الشورى الأسبق، وقد توفى عن عمر يناهز ٨٧ عاما.
والدكتور جامع هو أستاذ الأمراض الجلدية المعروف بطنطا، وكان معالجا وملازما شخصيا للشيخ الشعراوى أثناء مرضه، وكان يزوره فى منزله بطنطا هو والرئيس السادات، وكان من أقرب المقربين له.
وفى ذكرى وفاة الدكتور جامع الثالثة التى توافق يوم السبت القادم، وجدت انه من المناسب ان أذكر ما قاله فى حق إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، كرد غير مباشر على السفهاء الذين تطاولوا على مقام الشيخ الربانى، الذى ملأ الدنيا علما، ولا ينكر فضله وجهده فى سبيل الدعوة إلى الله على بصيرة إلا جاحد أو مكابر، ولا يطعن فى وطنيته وحبه لمصر إلا جاهل بمواقف الرجل وعباراته القوية التى دافع فيها عن مصر وصارت من أقواله المأثورة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى.
يقول الدكتور محمود جامع فى كتابه «عرفت الشعراوي»: (أيها الإمام الغالى كانت رحلتى معك فى الحياة منذ الأربعينيات هى رحلة الفرار إلى الله دائماً، غذاؤنا وزادنا القرآن، والقرآن تلاوة وحفظاً وترتيلاً وتفسيراً سراً وعلانية، أفراداً وجماعات فى مصر بمدنها وقراها وريفها وحضرها هى رحلة الجهاد فى سبيل الله لتكون كلمة الله هى العليا دون زيف أو بهتان).
أضاف: (عايشتك يا إمامنا الغالى فى الحلو والمر والليل والنهار، وتتلمذت على يديك الكريمتين وأسقيتنى بحنان وحب كؤوس العلم والمعرفة؛ فى منهل القرآن والسنة المطهرة وعلمتنى بيقين كيف يكون الصبر والاحتمال فى سبيل الدعوة إلى الله والجهاد فى سبيله وإن طريق الدعوة إلى الله دائماً مليء بالأشواك والمحاذير والابتلاء. وعرفت طريقك يا أستاذى جيداً إلى ربك مبكراً وأخذتنى معك فى رحابك الفسيحة الطاهرة وحنانك الفياض، وكنت دائماً ودائماً تدعو وتدعو وتتضرع إلى رب العزة بكل قوة وثبات ويقين، ونحن نردد من خلفك الدعاء من قلوبنا وأرواحنا).
رحم الله إمام الدعاة فضيلة الشيخ الشعراوى، ورحم الدكتور محمود جامع، ورحم أمواتنا جميعا، ورحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، ونسأله سبحانه ان يلحقنا بهم فى الصالحين، ثم سحقا للمتطاولين المتجرئين على مقام السادة العلماء، ولست أنا الذى يدافع عنهم وإنما الله هو الذى يدافع عن الذين آمنوا، وهو سبحانه الذى فضل العلماء ورفع منزلتهم، وعلى أولئك الأقزام الذين يتطاولون على مقام العلماء ان يتدبروا قوله تعالى: «َرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» [المجادلة : 11] وقوله عز وجل: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» [الزمر : 9] وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا العلم أقواما ويضع به آخرين) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي.
وتوقير العلماء يكون بالدعاء لهم والثناء عليهم والسؤال عنهم وتفقد أحوالهم وزيارتهم والأخذ عنهم ونشر علمهم وفتاواهم وستر عيوبهم والدفاع عنهم ونصيحتهم ومؤازرتهم على البر والتقوى وتعظيم منزلتهم عند العامة والخاصة.
وتوقير العلماء من سمات السلف الصالح، فقد كان الصحابة يوقرون أكابرهم وفقهاءهم، وتلقى ذلك عنهم التابعون وأتباعهم وشاع هذا الخلق الكريم فى زمان الأئمة الكبار، ومازال هذا هو خلق الأسوياء والعقلاء والسواد الأعظم من بنى البشر، أما القلة التافهة من هواة نطح الضخر، فليس لهم إلا تجرع آلام النطح وتبقى الصخرة كما هى، بل تزداد قوة وثباتا، ولسان حالها يقول: «موتوا بغيظكم».