كان هذا هو السؤال الذى طرحه صديقى وهو يتمنى لو كان فضيلة الإمام متولى الشعراوى حاضرا لكى يرد تلك الهجمة على شخصه ومكانته؟.
وقلت له يا أخى هون على نفسك فلم تكن هجمة عصابة اغتيال الرموز هى الأولى ضد الشيخ لكنها »الأوقح« والأكثر ابتذالاً فقد اختلف فى الرأى مع كثير من الكتاب والمفكرين وانتهى الأمر بالتصافى والتصالح وهذه شيم الكبار.. أما عن الحوار مع الشيخ فهو وارد لأن مواقفه حاضره وهى كفيلة بالرد على هؤلاء وغيرهم.. لأن غيابه قمة الحضور.. وحضورهم وهم على قيد الحياة قمة الغياب.. لأن العبرة بما يمكث فى الأرض وينفع الناس ولو سألنا الإمام المجدد لماذا يحطمون الرموز ولصالح من؟.. لقال رحمة الله عليه.
>> كان دعائى دائما: اللهم انى استعينك من كل عمل أردت به وجهك مخالطا فيه غيرك.. والنفس دائما وأبداً إمارة بالسوء وعندما استشعرت ذات مرة بأن الناس تأخذنى إلى حيث لا أريد.. دخلت إلى حمامات المسجد أغسلها وأذكر تلك النفس بأنها لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا.
>>>
واسأله: يقولون يا مولانا بأنك حرمت الفن على اطلاقه؟
>> وكان جوابه مما قال مراراً وتكراراً: الفن شأنه شأن كل شيء.. حلاله حلال.. وحرامه حرامه.. مثل السكين نستخدمه فى تدبير طعامنا وتجهيزه.. وهناك من يستخدمه فى القتل والاجرام.. والفن يقوم على الايحاء.. ويكفى ان نرى نتائج الشر والفساد.. لكى نبتعد عنهما.. بدون الخوض فى تفاصيل هى أقرب إلى الدروس الخصوصية فى الاجرام وهى تضر أكثر مما تفيد وأنا كواحد من المتخصصين فى هذا الميدان اضيف على ذلك الرأى وهل تقدير مشاهد الجنس نشرت العفة.. وهل مشاهد الاجرام جعلت الشباب ينصرف إلى السلوك القويم والخلق الحسن أم أنها اشعلت البيت نارا وكلنا يرى كيف دخلت الجريمة إلى ما هو أبعد من البشاعة فى ذبح الأم والأب وحرقهما.. وهذا ما جنته الدراما التى يطلب البعض لها الحرية المطلقة.
>>>
وأتوقف عند ابداعات الشيخ الشعرية وهو من ألوان الفنون الأدبية وقد كتب فى الروحانيات والغزل البرئ والوطنية.. ويأتى الرد سريعا من أوراقه ودفاتره الشعرية.. وقد جاء فيها:
>> من لم يحركه الجمال فناقص تكوينه
وسوى خلق الله من يهوي
ويسمح دين
سبحان من خلق الجمال والانهزام لسطوته
ولهذا يأمرنا بغض الطرف عنه لرحمته
من شاء يطلبه فلا إلا بطهر شريعته
وبذا يدوم لنا التمتع ها هنا وبجنته
>>>
واتهموا الرجل فى وطنيته وقد كان مناضلا منذ صغره وأحب سعد زغلول وشعر أمير القصائد أحمد شوقي.. وعندما فتح البوليس كوبرى عباس على المتظاهرين وسقط الضحايا فى النيل كتب يقول:
نداء يا بنى وطنى نداء.. دم الشهيد يذكره الشباب.. وهل نسلوا الضحايا والضحايا بهم قد عز فى مصر المصاب.. شباب بر لم يغرق وأرى رسالته وها هى ذى تجاب.. فلم يجبن ولم يبخل وأرغى وأزيد لا تزعزه الحراب.. وقد روحه للحق مهرا ومن دمه المراق بدأ الخضاب.. وأثر ان يموت شهيد مصر.. لتحيا مصر مركزها المهاب وعندما اعترض على دخول الهندسة والطب إلى الأزهر الشريف.. رأى فى منامه جمال عبدالناصر يخاطبه:
يا مولانا.. أنا أردت للأزهر ان يخرج منه المهندس المسلم والطبيب المسلم.. فهل هذه خطيئة؟
وفى صباح اليوم التالى خرج فضيلة الإمام لزيارة قبر جمال عبدالناصر وقراءة الفاتحة له.. وهو أيضا أول من اطلق اذاعة القرآن الكريم وسجل كتاب الله كاملا للمرة الأولي.. وجاء بالبعثات الآسيوية والأفريقية إلى رحاب الأزهر لكى تعود إلى بلادها تحمل الأزهر فى عقلها وقلبها وتنشر إسلامه الوسطى السمح.
>>>
عندما يأتى المنصب الرفيع اليك دون ان تطلبه فى وقت يسعى إليه الغالبية ويبذلون فى سبيله الكثير من المداهنة والنفاق والتزلف.. عندما يفتح الذى يخاف ربه أكف الضراعة إلى الله ان يلهمه الصواب فى مواكب الأبهة والزخارف.. وهو لم يستطع الإمام عليه صبرا وفرا هاربا إلى الله وإلى الدعوة مرة أخرى لأن المناصب الوزارية لها أهلها وقد استمر وزيرا للأوقاف سنة وأزيد قليلا.. ولم يتحمل ان تأتيه الأوامر العليا ويقبلها كما هى فى أيام الرئيس السادات.. وعاد إلى جلباب الداعية فهو الأبقي. وهو الذى عرف مبكرا الطريق إلى القيادة رئيسا لاتحاد الطلاب وزامل فى ذلك العهد الإعلامى طاهر أبوفاشا والمفكر أحمد هكيل وزير الثقافة الزاهد العابد والمفكر خالد محمد خالد.. لكنه أراد ان يكون متفرغا للدعوة وهو ما حققه عام 1980.. وحتى إذا جرى ترشيحه لمجمع الخالدين المكلف بحراسة اللغة العربية وهو أحد أقطابها سأله أحدهم: وهل كتب الخلود لأحد يا مولنا فى هذا المجمع؟
فقال له: يا أخى هذا الخلود »نسبي« وهو مكلف باللغة العربية وهى لغة القرآن الكريم وهو الكتاب الخالد بلغته.. والمجمع يخلد بخلود كتاب الله وليس بأعضاء المجمع وأنا منهم.
>>>
يقولون له أحسنت يا مولانا فى تفسير القرآن بالقرآن ومستعينا فى ذلك ببراعتك ودراستك لفنون اللغة العربية وكان جوابه دائما ومن قال لكم أن ما أقدمه حول كتاب الله تفسيرا ان هى إلا خواطرى تأتى من نبض الله ورزقه.. وربما كانت دراستى للعقائد عاملاً مساعداً أيضا.. وكل خبرات الحياة وثقافتها المتعددة.. تضاف إلى ذلك.. وانظروا كم مرة جرى تفسير القرآن العظيم على يد أكابر العلماء فى القديم والحديث وسيأتى من بعدنا من يفسره.. بمنظور مختلف.. لأن كتاب الله فيه كل شيء.. وقد أخذت من التفسير القويم لمن سبقنى من كبار العلماء.. لكنى أردت ان أوسع دائرة جمهور الناس لكى تعم الفائدة ولم أخطط لهذا.. لكنها هبات من الله سبحانه وتعالى يفيض بها على عباده.. ويجب ان نخاطب الناس فى كل عصر بما يتفق ويناسب عصرهم مع مستجدات الحياة.. اعتمدت على اللغة وفصاحتها والإصلاح الاجتماعى ورد شبهات المستشرقين والاستشهاد بالأمثلة لتقريب الصورة وايضاح التأويل والتفسير لأبسط الناس.. لأن كتاب الله نزل للجميع.
< وقفة: لم يذكر الإمام نهائيا رغم نجاح منهجه فى التفسير انه جدد.. أو حاول التجديد.. وقد فعلها ووصل إلى الملايين.. وفى تواضع العلماء.. قد اجتهد وترك لغيره ان يزن هذا الاجتهاد ويفنده وغضبه الملايين ضد من حاولوا النيل من الشيخ هى الرد الأكبر والقاطع ضد عصابة النيل العظماء فى كل ميدان وفى وقت يهللون فيه ويرفعون من شأن النماذج المعطوبة المشوهة.. لكى تتصدر المشهد على حساب الأكابر.. وهى خطة يسير عليها أعضاء العصابة وقد كشفهم المجتمع المصرى والعربى وبات يعرفهم بالأسماء واحداً بعد واحد.. ورحلاتهم المكوكية إلى الغرب ما هى إلا مكافآت خدماتهم الشيطانية تلك.. من هؤلاء ذلك الطبيب الذى دخل إلى الإعلام والأضواء عن طريق ارتباطه بابنة أحمد الفنانين وهو يسافر إلى المؤتمرات فى الخارج بدعوات خاصة ويتعاملون معه كمفكر وقبله طبيبة النفس التى احتضنها الغرب.. وفتح لها أبواب جامعاته كمحاضرة بعد أن وصفت الحج إلى الكعبة بأنه عمل وثني.. وهذا الذى ظهر فجأة على أنه خريج كامبريدج مرة يقال بأنه حاصل على الدكتوراه وأخرى يقال بأنه الماجستير فى (تصحيح الأديان).. من الذى دفع به إلى الشاشة وصنع منه نجما وهو يسعى إلى النيل من السنة المشرفة وينكر اجتهاد كبار الأوائل من الأئمة.
>>>
عندما ظهر الإمام الشعراوى فى احدى رحلاته إلى الخارج يرتدى البدلة والكرافته أبدى البعض دهشته وكان جوابه:
>> أليس كل واحد منكم ما يلبسه عند نومه.. ولا يخرج به إلى الشارع أو العمل.. والإسلام ليس له زيا يخصه دون غيره من الديانات.. لكن كل مهنة لها ملابسها مثل الطب والتمريض والجيش والشرطة.. ولا يجب ان يتوقف الناس عند صغائر الأمور ويتركون صميم الدين فى المعاملة والخلق.
>>>
اتهموا الإمام بأنه يعادى المرأة وأهلنا من الأقباط.. وهو الاتهام الجاهز دائما من دكاكين ما يسمى بحقوق الانسان.. وينسى هؤلاء ان المرأة فى كتاب الله لها سورة تخصها وأوصى بها رسولنا الكريم فى خطبة الوداع وكانت تعمل وتجاهد وتقول شعرا وتتولى القيادة والأقباط تزوج منهم نبينا الكريم- صلى الله عليه وسلم- ودعا إلى التعامل الطيب معهم لأنهم من أهل الذمة والمصاهرة.
أما الشيخ الشعراوى فكان يضحك من هذا الافتراء لأن صورته الخالدة مع البابا شنودة تخرص الألسنة فقد كان بينهما صداقة واحترام متبادل.. وعندما ذهب للعلاج كان يقول لهم ان الذى أجرى لى العملية الجراحية طبيب يهودى وتابعنى فى المستشفى الإنجليزى طبيب مسيحى من أصل مصري.. مع الطبيب المصرى الذى رافقنى فى رحلة العلاج.
>>>
مشهد أخير
>> تفسير الإمام للقرآن الكريم مكتوبا ومرئيا أو مسموعا يتسع بملايين المريدين فى الداخل والخارج بالعربية والإنجليزية وقريبا بلغات أخرى وسيظل أثر الشيخ باقيا وعلمه شاهدا عليه قيمته وقامته.. بينما الصغار يذهبون إلى جحيم النسيان.
> »بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولم يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين« (40/39 يونس)