كتب/ جمال فتحي
هيمن العنصر الشبابي مع مشاركة فاعلة للمرأة على جلسات وورش المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم في ملتقاه السنوي الثالث لليوم الثاني في قصر المؤتمرات “المرابطون” في نواكشوط؛ لاسيما مع مناقشته لموضوعات مصيريه ترتبط بواقع ومستقبل المرأة والشباب في مختلف المجتمعات الإفريقية. حيث شاركت السيدة الأولى الدكتورة مريم بنت محمد ولد دداه، إلى جانب نخبة كبيرة من الوزراء والعلماء والمفكرين العرب والأجانب ومنظمات من مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة والنسوية عموماً، والمنظمات الشبابية في أفريقيا وأوروبا وأميركا.
عقدت الجلسة الأولى بشعار “قمة الشباب الإفريقي: صناع السلام”. وفي ختامها قلد سعادة الشيخ المحفوظ بن بيّه أمين عام “منتدى أبوظبي للسلم” السيدة الأولى مريم بنت محمد ولد دداه “الدرع الإفريقي” في نسخته الأولى، الذي أصدره المؤتمر، احتفاء بالشخصيات التي تلعب دوراً مميزاً في تعزيز وترسيخ قيم السلم الاجتماعية .
(مشكلات الشباب والمرأة)
وتحدث في هذه الجلسة محمد ولد أسويدات وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان (موريتانا)، لافتا إلى الدور الذي يوليه فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للمرأة والشباب وما يمثله من أهمية قصوى في تعزيز الاستقرار وترسيخ السلم الاجتماعي. فضلاً عن دورهم الرئيس في عملية التنمية. وهو متناغم إلى حد كبير مع رؤية سماحة الإمام العلامة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس “منتدى أبوظبي للسلم”، الذي يؤطر من خلال الملتقى السنوي الثالث رؤى فكرية خلاقة تقوم على التأصيل الشرعي والتأويل الفقهي الصحيح؛ تعالج مشكلات الشباب والمرأة؛ بمنظور إسلامي عقلاني.
( أولوية السلم)
فيما اعتبرت السيدة صفية بنت انتهاه وزيرة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة، أن السلم يشكل أولوية للعالم وإلى أفريقيا بشكل خاص. ورأت أن الجميع مطالبون من مواقع تأثيرهم وامكانياتهم بالقيام بدورهم في تحقيق السلم المجتمعي. ملاحظة أن الرعاية السامية التي يحظى بها المؤتمر، هي دليل ساطع على الأهمية التي توليها الحكومة الموريتانية للعملية السلمية والتنموية، وفي صلبها الدور الحيوي للمرأة والشباب.
وقالت معلي الوزيرة إن أي جهد في سياق تحقيق السلم يبقى ناقصاً؛ ما لم ترفد الجهود الحيوية، المتمثلة؛ بقوة الشباب والمرأة؛ باعتبارهما فاعلان رئيسان في تعزيز السلم وفي عملية التنمية على السواء.
(الحب والكره بالتعلم)
أما سعادة رشاد حسين سفير الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأميركية،
فقال : نعتقد بحق أن الشباب والمرأة يشكلان عماد الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية في مختلف المجتمعات الإنسانية. لأنهم يشكلون محتوى التحديات؛ بل جوهر الفاعلية في التحديات؛ باعتبار أنهم يشكلون أكثرية اجتماعية ساحقة، تصل إلى نحو سبعين في المئة بالنسبة لإلى الشباب، واثنين وخمسين بالمئة بالنسبة للمرأة، فهي أكثر من نصف المجتمع
وختم حسين أن الشباب جاهزون للتعاون مع الحكماء والعقلاء؛ إذا ما جرى احترامهم والاهتمام بأفكارهم، فهم ليسوا بمتطرفين ولا إرهابيين بالفطرة. وكما يقول الزعيم الإفريقي الخالد نيلسون مانديلا: لا يخلق الإنسان كارهاً، وإنما هو يتعلم الكره كما يتعلم الحب على السواء. ما يعني أنه بإمكان الإنسان أن يكون خيراً للإنسان؛ إذا ما أعددناه إعداداً صحيحاً. وربما يكون ذلك هذا الأمر هو الأكثر فاعلية وتأثيراً في مقارعة الإرهاب بالأفكار السلمية والإنجازات التنموية من خلال الشباب.
( اللاتسامح و العنف)
أما جان كريستوف بوسل مستشار الشؤون الخارجية بوزارة الخارجية الفرنسية، فاستهل مداخلته لافتا إلى ملاحظته أن موضوع التربية والتعليم عاد بقوة، حيث أشار له في الافتتاح معالي الشيخ عبدالله بن بيه، والرئيس الغزواني ومعظم المتحدثين، وهو أمر في غاية الأهمية؛ لأن الناشئة والشباب الذين يشكلون عماد مستقلبنا يحتاجون إلى التربية والتوجيه الصحيح، وهما مسألتان مختلفتان فالتعليم يلقن العلم أما التربية فهي معارف وسلوك.
وتوقف بوسل بشكل خاص عند موضوع تربية الفتيات وحمايتهن في إفريقيا، التي تعاني من العنف وأشكال مختلفة من النزاعات، التي بمعظمها تكون غالبية ضحاياه من الفتيات، باعتبار أن اللا تسامح أرض خصبة للعنف، وممارسة العنف تكون أكثر بشاعة ضد الفئات الهشة أو الأضعف. مذكراً بضرورة تفعيل توصيات الملتقى السنوي الثاني في البيان الختامي (الفقرة السابعة)، التي تقضي قيام الفقهاء والعلماء المسلمين بالتذكير بغايات الدين الرحمانية.
(النساء وحماية الحياة)
أما التيجاني غاديو وزير الخارجية السنغالي الأسبق، فأكد أن إفريقيا ينبغي أن تحل مشكلات الشباب والمرأة وإلا لا فرصة لها في التنمية. ولاحظ أن النساء لديهن غريزة طبيعية لحماية الحياة، فهي الأم والزوجة والأخت والابنة، ولا يجرؤ أحد إنكار أن أمه محور حياته، وإذا كان الأمر كذلك فعليه أن تكون كل النساء بمقام أمه. أما الزوجة فهي آخر شخص يمكن أن يعطيك النصيحة السيئة.
واستعان غاديو في ما يذهب إليه بالحكمة التي قرأها عن إحدى المفكرات: إذا أردت أن تنجز المهمة فأسندها للمرأة، وإذا أردت أن تتحدث عنها فأسندها للرجل. موضحاً أنه خبر ذلك بحق من خلال تجربته السياسية. وهو ما جعله يدعو إلى المناصفة السياسية بين الرجل والمرأة، وهو الأمر الذي سيرفع من جودة الأداء الحكومي.
(القضية الأولى والأخيرة)
وتحدث معالي الدكتور قطب مصطفى سانو الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي (غينيا)، عن العناية التي أولاها المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم برئاسة معالي “ا سماحة الشيخ الإمام عبدالله بن بيه”؛ لقضايا المرأة مؤكدا أن سماحته عندما يدعونا لاحترام هاتين الفئتين، إنما هو يدعونا لاحترام إنسانيتنا، وإنقاذ مستقبلنا من عدميات الزمان، فالشباب والمرأة يشكلان القضية الأولى والأخيرة في الواقع الإفريقي، وهما الركن الأساس في عملية التنمية والازدهار الحضاري.
(قصة تسامح مع قاتل جاهل)
بدورها؛ سردت السيدة لطيفة بن زياتن- مؤسسة عماد للشباب والسلام (فرنسا) تجربتها الشخصية، لافتة أنها فقدت ابنها في الإرهاب منذ نحو عشر سنوات، وهو ما جعلها تنزل إلى ساحة العمل المجتمعي لمحاربة العنف والإرهاب من خلال تشكيل مؤسسة “عماد”. وهكذا راحت تتواصل مع الشباب، وتكشف لديها أن قاتل ابنها هو ضحية التضليل والفقر وانغلاق الأفق وقالت: “فسامحته من كل قلبي، وزادني ذلك إصراراً على العمل إلى جانب الشباب والفتيات”. مؤكدة أن الجهل سيكون دائماً منتجاً للشاب القاتل، ولذلك نركز على الأسر من حيث التلاقي على سفرة واحدة، ثم التلاقي مع الآخرين في المناسبات المختلفة.
(الشباب مصدر الطاقة)
فيما تحدث سعادة السيد مومني ديالا- رئيس اتحاد الشباب الإفريقي فأكد أن الشباب هم الأساس في معادلة السلام والتنمية، فهم مصدر الطاقة البشرية أو القوة الفاعلة في التنمية، فلماذا لا تسخر على النحو الأمثل. داعياً إلى دمجهم في عملية مواجهة التطرف، من خلال العمل على تعزيز قدراتهم وإتاحة الفرصة لممارسة إمكانياته؛، بمعنى أن لا بد من تزويدهم بالمعرفة الحقة التي تجعلهم بالضرورة نافعين لمجتمعاتهم، وليسوا بهدامين.
ولا حظ ديالا أن الاتحاد الإفريقي منذ تأسيسه 1962 لم يواجه بشكل جاد قضايا الشباب. ولذلك يتعين علينا أن نراجع برلمان الشباب في بلداننا، فجميعها لديها مشاكل في التعامل مع الشباب.
(ترسيخ ثقافة السلام)
من جهتها أكدت سعادة السيدة زينب بنت عبد الجليل- رئيسة المجلس الوطني للشباب في موريتانيا، إن الحكومة الموريتاني قامت بخطوات جادة باتجاه الشباب سواء على مستوى التواصل والحوار أو على مستوى المشاركة الفاعلة في المسارات التي تنطوي جميعها في سياق محاربة العنف، وترسيخ ثقافة السلام.
(السلام هبة ورحمة)
وأخيراً تحدث سعادة الدكتور عبدالفتاح جمعة النجار مدير الإعلام والعلاقات العامة بالمجلس الإسلامي الأعلى، منسق شباب السلم، مؤكداً أن السلام ليس خصوصية ثقافية، وليس هبة، وإنما هو رحمة؛ باعتبار أن الغايات النبيلة لا تدرك بغير وسائل نبيلة. ما يعني أن الوسائل التي يجب أن يسلكها الشباب لا بد أن تكون نبيلة. وهذا ما يقتضي علينا الحوار مع الشباب والتواصل معهم؛ بضوء الحفر المعرفي والتأصيل والتأويل الصحيح لإرث السلم في الإسلام، فموارد هي من النص القرآني والسنة والصحابة وفقه السلف.