كان الأدباء فى أغلب الروايات لهم عبارات متداولة يرددونها خلف بعضهم البعض بطريقة مضحكة تثير الشفقة فإذا تحدث أحدهم عن الأديب ربط بينه وبين فنجان القهوة والسيجارة التى تشتعل بين أصابعه وقد استند بيده على رأسه.. وكأن التفكير لا يتم إلا بالتبغ والكافيين وضحك بعض النقاد والإعلاميين على الناس.. بأن الممثل عندما يدخن على الشاشة أو يشرب كأسا فإنه يفعلها بناء على ما يتم ذكره فى السيناريو الذى كتبه المؤلف.. ولأن الممثل لا يستطيع أن يقف أمام الكاميرا وهو يترنح بلا وعى يضعون له بعض المياه الغازية أو العصائر بديلا عن الخمور وإن كان هناك قلة.. تلجأ إلى الشراب بطريقة بسيطة يكفيها على حد قولها أو قناعتها أن تمثل بمزاج.. ومع ذلك القاعدة تقول بأن ما يفعله الممثل فى بيته يندرج تحت بند الخصوصية ولا نملك أن نحاسبه عليه.. وإلا وقعنا فى فخ التجسس وتتبع العورات والدين العظيم يمنعنا ويحرم علينا ذلك.. لكن عندما يخرج الفعل من الخصوصية إلى العموم على المسرح أو الشاشة هنا يجب أن نسأل: هل هو يمثل حالة يحذرنا منها.. أم يعبر عن شخصه هو خلف الدور الذى يلعبه؟!
الفن عموما.. يقوم على إعادة تقديم الواقع بصورة فيها الخيال والمبالغة.. وهناك شعرة بسيطة فاصلة بين تصوير الفعل القبيح بما يجعلنا نرفضه.. وبين أن يصوره فى لحظات الاستمتاع والتفاخر والتدين كما يشيعون.
السيجارة مثلا ارتبطت على الشاشة بالمرأة المنحرفة فى الكباريهات وفى نفس الوقت ارتبطت بالمتحررة أو أبناء الطبقة العليا ثم ضرورة ايجاد الرقص وإلا أصبح الشاب متخلفا لا يواكب عصره.. مثلما رأينا عمر الشريف فى فيلم حكاية حب.. وهى أمور ساهمت السينما بوجه خاص ثم الدراما التليفزيونية بعد ذلك فى تجسيدها.. الأسطى لابد له من سيجارة فى فمه ورجل الأعمال لا يتم اعتماده إلا بالسيجار.. والمعلم والشيشة كيان واحد لا يفترقان.. وإلا فقد شرطا من شروط المعلمة وكذلك اللجوء إلى البار والخمر أو منقوع البراطيش للفقراء عند الوقوع فى أزمة..
فهل ما يقرره السيد المخرج قانونا لابد من تطبيقه مهما كان وأن يكون الممثل مجرد أداة عليه السمع والطاعة؟
الحقيقة أن هناك حكايات عديدة عن ممثلة رفضت أن يتم تقبيلها فى مشهد أو تتعرى.. ولم تخرب الدنيا لأن وجود طفاية السجائر وفيه كميات من الأعقاب.. بينما الممثل يسعل ويكح.. يكفى هذا لكى نعرف نتيجة تدخينه..
الكارثة أن فئة كبيرة من الممثلين يدخلون إلى التصوير بالسيجارة أو السيجار فى أيديهم.. ويتركهم المخرج.. إما لأن التدخين هنا.. عبارة عن إعلان مدفوع الأجر وعلبة السجائر على الطاولة أو فى يد الممثل.. وإما لأن الممثل لا يستطيع أن يفارق سيجارته.. وقد قال أحد المخرجين المشاهير ذات مرة عن ذلك: أنا لو استطيع أن أنام والسيجارة فى يدى لفعلتها.
هناك من الأسماء الشهيرة.. من وجودا أنفسهم فى طريق مسدود وخيرهم الأطباء بين أعمارهم أو ما تبقى منها؟.. أو الاستمرار فى التدخين فى البيت فى الشارع فى الاستوديو فى السراء والضراء.
موقف حصل
ذهبت إلى حيث يتم تصوير مسلسل تليفزيونى من تأليفى.. وكانت رسالته تتحدث عن التلوث بأنواعه ووجدت أن بطل العالم يصور أحد المشاهير والسيجارة فى يده.. فهمست إلى المخرج وأنا أجلس بجواره فى غرفة الكنترول فما كان منه إلا أن قال لى: لقد تعود على ذلك ولا استطيع منعه؟
قلت له بكل بساطة: أنا إذن استطيع!
وذهبت إلى الممثل وهمست إليه بملاحظتى بكل هدوء.. فما كان منه إلا أن استجاب فورا ولم يكررها أمام الكاميرا بعد ذلك.
وقد اعترف أكثر من فنان وفنانة بأن اسوأ العادات فى الوسط الفنى مسألة التدخين التى لا يفلت منها إلا القليل والمضحك أن شركات السجائر فى أمريكا عندما تم منع الإعلانات المباشرة.. تحولت إلى الإعلان غير المباشر خلال المشاهد وعندما أعلنت مراكز الأبحاث أضرار التدخين القاتلة اجتمعت كبرى شركات السجائر فى العالم واتفقت على إنشاء مراكز بحثية تقول إن السرطان قد يأتى من بعض المأكولات.. والتلوث الهوائى والمائى حتى تبعد الانظار عن السجائر ومن هنا كانت فلسفة الإسلام بمنع الخمر لأنها قاتلة وتذهب بالعقل.. فتكون الجرائم البشعة.. وقد لجأ تجار المخدرات للأسف الشديد إلى غسل أموالهم فى إنتاج الأعمال الفنية بطريقة غير مباشرة من خلال تمويل شركات الإنتاج من تحت الطاولة ولهذا انتشرت مسلسلات وأفلام المخدرات ولا شئ يتم عفوا.. فكل مشهد على الشاشة يتم صياغته حسب الرسالة المراد توصيلها.
وعندما قلت لأحد النجوم لقد دمرت الشباب بسيجارتك التى ارتبطت بوسامتك وشجاعتك وشياكتك وكان جوابه: «أكل عيش يا عم الحاج»!!