الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد.
لا شك أن أعظم مهنة وأشرف صنعة الاشتغال بكتاب الله حفظا وتلاوة, وتعليما, فهو أشرف منطوق, وأعظم مسموع, وهو حبل الله المتين, من استمسك به نجا, ومن تخلى عنه هلك!
وعن تعليم القرآن يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذى أخرجه البخاري عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: { من تعلم كتاب الله تعالى ثم اتبع ما فيه هَداهُ الله به من الظلالة ووقاه الله يوم القيامة سوء الحساب } وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنَّ القُرآنَ يَلْقى صاحبَه يومَ القيامةِ حين ينشَقُّ عنه قبْرُه كالرَّجُلِ الشَّاحبِ، يقولُ: هل تَعْرِفُني؟ فيقولُ له: ما أعرَفُك، فيقولُ: أنا صاحِبُك؛ القُرآنُ الَّذي أظمأْتُك في الهواجرِ، وأسهرْتُ ليلَك، وإنَّ كلَّ تاجرٍ من وراءِ تِجارَتِه، وأنت اليومَ من وراءِ كلِّ تجارةٍ، قال: فيُعْطى المُلكَ بيَمينِه، والخُلدَ بشمالِه، ويُوضَعُ على رأسِه تاجُ الوقارِ، ويُكْسَى والداهُ حُلَّتَينِ لا يقومُ لهما أهلُ الدُّنيا، فيقولانِ: بما كُسِينا هذا؟ فيُقال: بأخْذِ ولدِكما القُرآنَ. ثمَّ يُقال: اقرَأْ واصعَدْ في دَرَجِ الجنَّةِ وغُرَفِها، فهو في صُعودٍ ما دام يقرَأُ هذًّا كان أو ترتيلًا.
والحديث في فضل كتاب الله وتعليمه وتعلمه يطول ويحتاج لمقال مخصوص.
وقد برز على ساحة صفحات التواصل الاجتماعي وصفحات الميديا وغيرها ظاهرة تعليم القرآن عبر الانترنت, أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي, وأخذت تلك الظاهرة تنمو وتتكاثر, حتى اصبحت أمرا واقعا, وقضية تحتاج لمعالجة فقهيه ومجتمعية!
أما عن الواقع الفقهي فإن تعليم القرآن يتم بأي وسيلة ولكن بشروط, وأسس وضوابط سنها الشارع الحكيم, وأقره العرف, وارتضتها العادات.
من تلك الشروط: أن يكون المعلم متقنا, حافظا لكتاب الله حفظا سليما, عارفا بحدود الله, لديه سند متصل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وأن يعلم الرجال؛ الرجال, وجوزوا تعليم الرجال للنساء, بشرط عدم الخلوة, والا تخضع بقول, وأن يكون الأمر في اطار العلم والتعلم, وإن كان الأفضل أن تعلم المرأة, المرأة إن وجدت من تجيد فن التجويد والأحكام, وذلك لأن طبيعة الأمر أن المرأة تميل لجنسها, وتكون أرفق بهم, وأن المتعلمة لن تخجل أو تستحي أن تسأل مرارا وتكرارا, خصوصا وأن فن التجويد والأحكام يحتاج لصبر ودربة وخبرة.
والواقع أن هناك الكثير من دور تحفيظ القرآن التي أقرتها الدولة, تحت مظلة الأزهر, أو وزارة الأوقاف, وقد قامت وزارة الأوقاف بعمل العديد من المقارئ على مستوى الجمهورية لمعالجة تلك القضية, وتلبية لرغبات المحبين لتلاوة كتاب الله, وضمنت تلك المقارئ أشهر وأعظم القراء على الاطلاق!
ولما كانت بعض تلك المقارئ الالكترونية, وأقول بعضها لا كلها, ربما تستغل لأهداف غير نبيلة, أو يستخدمها بعض جماعات الشر في جذب عدد من الشباب والبنات إلى أفكارهم المنحرفة, وتصوراتهم الضالة فإن من الأفضل بوجه عام التوجه إلى المقارئ المعروفة المعتمدة, فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح, وفي الحديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والذى أميل إليه وهو اجتهاد شخصي, هو التمسك والتوجه إلى المقارئ المعتمدة, وإلى المشايخ المعروفين, بدلا من تلك المنصات. اللهم إن فقد الشيخ أو فقد المكان, بان يكون الشخص الذى يريد التعلم أجنبيا, ولا مكاتب لتحفيظ القرآن في بلاده, فعليه أن يختار شيخا معروفا, أو جهة يثق بها للتعلم فيها.
أي أن تلك المنصات بمثابة التيمم عند فقد الماء, فإن وجد الماء بطل التيمم
ولعل أهمس همسة بخصوص هذا الأمر في أذن أولى الأمر بأزهرنا العامر ووزارة الأوقاف من ضرورة تكثيف مكاتب تحفيظ القرآن, واختيار اكفاء المحفظين, واخلصهم, فأولادنا وبناتنا بحاجة للتمسك بكتاب الله فهما وتلاوة وعملا, وإني أثمن ما تقوم به مصرنا الحبيبة ممثلة في رئيسها حفظه الله وقادتها من الأزهر والأوقاف في العناية بكتاب الله والتشجيع على حفظ القرآن الكريم
وفقنا الله جميعا إلى ما يحب ويرضى وحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء