لم ولن تنتهى البطولات والمواقف الإنسانيّة البطوليّة التى يتميّز بها كل جنود وعناصر “الجيش الأبيض” وهُم الأطباء والمُمرِّضين والمُمرِّضات وجميع الهيئات المعاوِنة لهم فى جهادِهم وأعمالِهم الإنسانيّة، حتى وإن ابتُلينا فى بعض الأوقات بمن فقدوا ضمائرَهم وقلوبَهم بل عقولَهم ومشاعرَهم الإنسانيّة، إلا أن الغالبيّة العُظمى- إن لم يكن جميعهم- يظلُّون بخير وقمَّة العطاء والوفاء والإخلاص والإنسانيّة.
وإن لم نكن بحاجة للتأكيد على هذا المعدَن النفيس والغالى الذى وَهَبَه الخالقُ سبحانه وتعالى لـ”ملائكةِ الرحمة”، إلا أنه ومن باب التذْكِرَة وردِّ الجميل، وتقديم القُدوة والمَثَل فيما تُجسِّده مواقف وبطولات هذا “الجيش الأبيض”، نَذْكُر ما وقع بداية هذا الأسبوع من حريق اندلع فى مستشفى “النور المحمدى” بمنطقة المطريّة، حيث تصاعدت أعمدة الدُّخان من الدور الأرضى حتى الدور الرابع، وراح ضحيّته 3 صيادلة، هم: التوأم: أحمد وأيمن ماهر عبدالفتاح- 27 عامًا- وشيماء حسين حسنى 25 عامًا، بالإضافة إلى إصابة 32 شخصًا، بينهم أطفال.
ووسط هذه المأساة، تبرز البطولة والفداء والتضحية من أبطال هذا الجيش العظيم، حيث تصادف وقتها إجراء عملية جراحيّة دقيقة فى “قولون” للطفلة الصغيرة “فريدة” التى لم تتجاوز الخامسة من عمرها، ووسط صرخات المستغيثين، ومطالَبات المسئولين بإخلاء المستشفى على الفور، تتجسَّد تضحية وفداء “أبطال الجيش الأبيض”، بقيادة الطبيب د. رفعت بدوى- أستاذ طب وجراحة الأطفال بجامعة الأزهر- ومساعده د. محمد، وطبيب التخدير د. على الدسوقى، بإصرارهم على مواصلة العملية الجراحية وعدم الخروج بدون الطفلة “فريدة” معهم، فأتمّوا العمليّة على ضوء الموبايل- بعد انقطاع الكهرباء واستخدموا أنابيب الأوكسجين الاحتياطية- فاستغرقوا أكثر من ساعة، حتى اطمأنوا على “فريدة”.
وتتكاتف البطولات الشعبيّة وتتكامل مع تضحيّات “أبطال الجيش الأبيض”، حيث صعد 3 من شباب المنطقة إلى حيث يوجد الأطباء، فى محاولة لإخراجهم وإنقاذهم- معتقدين أنهم عاجزين عن الهرب بحياتهم- وحينما وجدوا إصرارهم على إنقاذ الطفلة لم يفكّر الشبابُ للحظةً واحدةً فى العودة، وإنما تطابقت شجاعتُهم مع “أبطال الجيش الأبيض” وصمدوا لمساعدتهم، حتّى وفّروا لهم غطاءً ومخرجًا آمنًا، حتى خرجوا جميعا بسلام الله.
كل هذا بجانب تكاتف جميع السُكَّان القريبين والمارَّة، كلٌّ يقدِّم ما لديه من يدِ العون والمساعدة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتمتد الشهامة المصريّة لأبعد من مكان الكارثة، حيث كان “أبطال مستشفى سيد جلال” بمنطقة باب الشعريّة- ومنهم الأطباء عماد وأحمد جمال- على أهُبَّة الاستعداد فى استقبال حالة الطفلة “فريدة”، فقاموا باتخاذ اللازم، بمجرد وصولها فى سيارة الإسعاف.
وهكذا تحوَّلت حالة “فريدة” إلى “مُلْهِمَة ومُلْهِبَة” للمشاعر الإنسانية والشهامة المصريّة، لنستعيد معها جوهر الشعب المصرى الأصيل ومعدَنَه النقى، الذى مهما طالَتْه من تغيّرات وسلوكيات غريبة وشاذّة، إلا أنه يبقى أصيلا ونقيًا، بمجرّد تعرُّضه للاختبار أو المواقف والأزمات الصعبة، ليظهر نقاؤه وصفاؤه، الذى تصقله الصعاب، وتقوِّيه التحدّيّات.
وهذا ما يجب علينا استحضاره وتَذَكُّره دائما وأبدا فى كل ما يعترض حياتَنا من أزمات وصعاب، لـ”تحيا مصر” بنا على الدوام وهى “أُمُّ الدنيا”.