بتعاطف شديد ممزوج بالألم، تابعنا في الآونة الأخيرة ما أحل من كارثة، أصابت آلاف الناس عقب الزلزال، الذي ضرب سوريا وتركيا..
.. تراك تشاهد الصور والفيديوهات وأنت تبحث عن الحكمة الإلهية من وراء هذا الحدث الجلل، ومن وراء كل هذا الجزع وهذا الفقد!!.
ولعل أحد الفيديوهات التي استوقفتني، كانت لرجل -ثلاثيني العمر-، يحكي قصته مع الزلزال.. فيقول: عدت ذات ليلة، قبل وقوع الزلزال، بيومين تقريبا، فوجدت صاحب المنزل قد طرد زوجتي وأطفالي في الشارع، بعدما أعيتني الحيلة، ولم أستطع دفع الإيجار لثلاثة أشهر متتالية؛ وذلك لتدهور حالتي الاقتصادية.
عدت فوجدت أسرتي تكابد مرارة البرد الشديد والثلوج، ولم أجد صديقا يواسيني سوى العراء! فأخذت أسرتي، واتجهت نحو المخيمات، لعلي أجد مأوى ودفئا، فبدأت بتجهيز الخيمة، وما مرَّ سوى يومان فقط؛ إلا فوجئت بصاحب العقار، الذي كنت أسكنه، مجاورا لي!!..
الآن.. أصبح جارا له بعد انهيار العقار بكامله، إثر هزات الزلزال العنيف.
هنا أكَّد صاحب القصة، أن الغرض ليس التشفي أو الشماته اطلاقا.. وأنهى كلماته بقول:(لا تتكبر فالله أكبر).
وبعد أن أنهى الرجل حكايته، نظرت لقصته من زاوية مختلفة.. زاوية ترى أن: (من قلب المحنة منحة) ،و(لعل في الشر خيرا) وتساءلت: ألم يكن العراء أمانا له ولعائلته من هول الزلزال؟!!
فرغم تثاقل الهموم على كاهله بعد الطرد وعدم إداركه للحكمة من وراء هذا العسر.. يأتي الرد سريعا.. وتنجلي الحكمة… فلعل في المنع عطاء.
يبقى السؤال: ماذا عمن راحوا ضحايا للزلزال وفقدوا الأهل والأحباب.. وسط هذا الجو القارس؟
إن ما يريح النفس، هو إداراك أن عقولنا البشرية جبلت على عدم فهم كل الأمور من حولها.. فكثيرا ما نجهل الحكمة من وجود الحوادث.. والشر من حولنا.
ولعلك لاحظت أنت أيضا: أنه -وسط هذا العناء والنحيب-، رأيت قوة إيمان من بعض المصابين، قد تعدل إيمان قرية بأكملها..
فترى سيدة محاطة بحطام وركام وهي تحت الأنقاض، تطلب من فريق الإنقاذ أن يمنحوها (حجابا ) لتغطي به شعرها.
كما ترى أيضا، طفلة صغيرة –وهي غير مكلفة-، تبكي بحرقة بعد نجاتها؛ لأنها لم تؤد ما فاتها من الصلاة!
وهناك رجل يحكي ويقول: كيف نجا بأعجوبة.. وكيف أعانه الله على استخراج أولاده من تحت الهدم.. ويتعجب من القدرة التي منحها الله اياه.. رغم أن ( ظهره مكسور) كما يقول.
وهل من المنطق أن يظل الناس على قيد الحياة لأيام دون تدفئة ومأكل ومشرب؟!! إنها معجزة حقا!!
ألم تجعلك هذه المشاهد تقول: إذا كانت الناس تفر من زلزال في الدنيا، فماذا عن أهوال ومشاهد يوم القيامة؟!!
فالمشهد -رغم مرارته-، لم يخلو من اللُطف الرباني، بل إن المعجزات التي قد نراها -من منظورنا البشري-، لن تحدث!!.. لكنها حدثت؛ لتؤكد اسم الله (اللطيف)، وتظل حكمة الله في خلقه وكونه باقية “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”…
(((( نجتهد لنعلم منها القليل.. و الله اعلى وأعلم.)))