بينما نحن في ترحال وتجوال وسعي دءوب نسلك دروبًا نلتمس فيها تحقيق الطموح، ونُفتتن بملاذ الحياة التي نسير للوصول إليها، تتعاقب علينا البدور، ومطالع الشموس ومغاربها، أزمانًا تمضي وتمضي ونحن ما بين مساعي الجد ومسارح اللهو، ثم إذ بنا وبدون سابق إنذار نتعثر ببلوى تشعرنا بضآلة ما نحن فيه!!! لنرى الحياة بعين مختلفة، تنشق عنا آمالنا وكأننا لم نكن نعرفها؛ لنواجه واقعًا آخر، نتفاوت في استقباله ما بين ساخط وجازع وصابر وراض، غير مدركين حينها أن الله ــ الرحمن الرحيم ــ بواسع رحمته أراد أن يخرجنا من الجدران الواهية التي سُجنا فيها بإرادتنا، أراد لنا يقظة من غفلةٍ أخذتنا؛ لنحيا في واقعٍ قد تغير إما بفقد من كانوا لنا سندًا وعونًا، أو بوعكة صحية تُصيبنا، أو فاقة مادية تُرهقنا، وقد تتعاظم البلايا إن كانت نازلة على شعب أو بلدة برمتها كالزلازل والبراكين وغيرها من البلايا التي نستقبلها مدة بقائنا في الحياة الدنيا، وكل بلية تحمل في طياتها رسالة تنبهنا وتبعث فينا أفكار وتطلعات غير التي كنا نحملها، ثم إذا اطمأننا وهدأ الرَّوع عدنا إلى ما كنا فيه متناسين ما حملته البلية من رسائل، سائرين في دروب الحياة غير مبالين، وكأن صغائر الأمور هي التي تستدرجنا لننشغل بها عن أمور عُظمة. قال تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ* إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}، [هود: 10، 11].
إن كان من حقنا في الحياة الدنيا أن نسعد بما فيها من مُترفات مباحة، إلا أنه ينبغي علينا ألا نذوب في طلبها؛ لأن المنهج الرباني أراد لنا أن تزيد النعم في صلة العبد بربه وأن يكون شاكرًا وقت النعم صابرًا وقت الابتلاءات والمِحن. قال سبحانه وتعال: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
والمؤمن الفَطِن يُحسن استقبال ما يمنحه الله له من البلايا، يتغلب عليها بقوة إيمانه، يستأنف العيش ينهض ويسير، مُترقبًا ما في هذه البلايا من رسائل؛ ليُعدل سلوكه، أو يغير مساره، يزيد من طاعاته ويتغلب على زلاته.