حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة فى العام الثانى من الهجرة كانت اختبارًا حقيقيًا وتطهيرًا عمليًا لمجتمع جديد، هاجر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل فى دين الله عزوجل طوائف مختلفة من أصحاب الأديان الأخري. فأراد الله عزوجل أن يطهر هذا المجتمع، وأن يبين لرسوله صلى الله عليه وسلم زيف كل دعى منافق يظهر الولاء للإسلام ويبطن الكفر والعداء، ويكشف له صلى الله عليه وسلم إيمان كل مؤمن تقى صادق الإيمان.
إن حادثة تحويل القبلة تشمل على العديد من الدروس والمعانى التى يجب أن ندركها جيدًا، خاصة فى تلك الفترة الراهنة التى تعيشها أمتنا العربية والإسلامية.. ومن أهم هذه الدروس التصدى للفتن والشائعات الكاذبة وبيان زيفها لأن الشائعات من شأنها إلحاق بالغ الضرر بالمجتمع، وتعمل على هدم بنيانه وتقويض أركانه.. فالشائعة أفكار مغلوطة مشوهة ينشرها فرد أو جماعة أو تنظيم خاصة مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة بقصد إحداث بلبلة فى الأفكار وزعزعة فى العواطف وتشكيك الناس فى أمر من الأمور الهامة، ويهدف المشككون من وراء نشر شائعاتهم هدم المجتمع وتدميره وفقد الثقة وزعزعة العقيدة فى نفوس البسطاء.
إن من الدروس التاريخية التى يجب أن نعيها ونحن بصدد الاحتفال بتحويل القبلة ضرورة وحدة الأمة وتمساكها والبعد بها عن كل ما يعمل على فرقتها وتشتتها.. ولقد كان تحويل القبلة درسًا عظيمًا فى وحدة الأمة وتماسكها، وهى تتجه فى صلاتها نحو الكعبة المشرفة، وهذا بلا شك يوحد عواطفهم وقلوبهم ويجعلهم يشعرون أنهم أمة واحدة مهما تباعدت الديار وتناءت الأقطار.
ومن الدروس أيضا التى نستلهمها تحقيق الأمانى الطيبة بشرط أن تكون النيات صادقة والأهداف نبيلة والغايات خيرة، فالعبرة ليست بالتوجه إلى جهة معينة، ولكن تكمن فى الإخلاص لله تعالى فلله المشرق والمغرب.
ومن الدروس كذلك التى تفيض علينا بها هذه الذكرى وسطية الأمة بمعنى اعتدالها واستقامتها على منهج الله عزوجل وبعدها عن أى إنحراف وسعيها الجاد نحو طريق الإصلاح ونفع الناس ــ كل الناس ــ وهدايتهم سبيل رفعتها.
ومن الدروس التى يجب أن نستخلصها تأكيد العلاقة الوثيقة بين المسجدين الحرام والأقصى ليثبت القدسية لكليهما ولنعرف قيمة المسجد الأقصى وأنه لا يقل أهمية عن المسجد الحرام وأن التفريط فى أحدهما أو التهاون فى حقه يعد تهاونًا وتفريطًا فى حق الآخر.
وختامًا:
قال تعالي:
«قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ».
صدق الله العظيم