يشتاق الموحدون كل عام للشهر المعظم ؛شهر رمضان الكريم ،شهر الرحمة ،والمغفرة ،والعتق من النيران، شهر المحبة ،والتسامح ،شهر ينتظره المسلمون من العام للعام ليجدّدوا إيمانهم ،والعهد والوعد مع الله سبحانه وتعالى، فشهر رمضان شهر تربية للنفوس لتنال محبة الله وتزداد قرباً منه سبحانه وتعالى ، يذكر العد التنازلي أن الشهر الكريم سوف يأتي يوم الخميس 23 مارس 2023م ، وهو ما يصادف موسم تقديم الإقرارات الضريبية حيث نصت المادة (31) قانون 206 لسنة 2020م قانون الإجراءات الضريبية : يجب تقديم الإقرار الضريبي قبل أول أبريل من كل سنة تالية لانتهاء الفترة الضريبية عن السنة السابقة لها بالنسبة إلي الأشخاص الطبيعيين، قبل أول مايو من كل سنة ،أو خلال أربعة أشهر تالية لتاريخ انتهاء السنة المالية بالنسبة إلي الأشخاص الاعتبارية .
وقد يعتقد الكثير من عامة المسلمين أن الضريبة تُغنى عن الزكاة ، و الحكومة هي المسئولة عن تغطية مصارف الزكاة بوجه عام ،و سداد حاجيات الفقراء ، لأن الأفراد يدفعون للدولة ضرائب قد تزيد عن مقدار الزكاة المفروضة تذهب إلى الخزانة العامة لكي تنفقها فى الأوجه المخصة لها وفقًا للميزانية العامة للدولة ، وبعض هذه النفقات تُعدُّ من مصارف الزكاة ؛مثل إعانة العاجزين ،وإيواء المشردين، وعلاج الفقراء ونحو ذلك ، وهذا اعتقاد خاطئ ،لأن في حقيقة الأمر هناك اختلاف بين الضريبة والزكاة ،على النحو التالي:
دلالة المصطلح: الضريبة: عبء وتكلفة، والزكاة : تدل على النماء والبركة و الزيادة .
العبادة و القربة: الضريبة : التزام مدني خال من معاني العبودية، والزكاة :عبادة ،و شعيرة ،وركن إسلامي .
الأنصبة والمقادير: الضريبة تتغير حسب رؤية ولي الأمر، بينما الزكاة ثابتة لا تتغير.
الإنفاق : الضريبة يتم إنفاقها لتغطية النفقات العامة ،والزكاة يتم إنفاقها في مصارفها الشرعية المحددة، ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة 60
العلاقة: الضريبة علاقة بين الشخص والدولة ، أمّا الزكاة فهي علاقة بين الشخص والخالق سبحانه وتعالى.
المكلف: الضريبة المسلم وغير المسلم ،الزكاة : المسلم فقط.
ولقد تناول الفقهاء والعلماء هذه المفاهيم السابقة بشىء من التفصيل من خلال الآتي:
قال تعالى:﴿ لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ ﴾ (البقرةمن الآية:177) .
فقوله تعالى: وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ” جاء مع ذكر الزكاة مما يدل على أن فى المال حقًا غير الزكاة ،
فالإسلام يحث على توزيع الثروة على أكبر عدد مستطاع ،وتقريب المستويات بعضها من بعض ،ولهذا علّل الله توزيع الفيء بقوله تعالى: ﴿ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنكُمْ ﴾ الحشر :من الآية7. فإذا لم توجد وسيلة غير الضرائب تؤدي إلى هذه النتيجة :ألّا يكون المال دُولَةً بين الأغنياء وحدهم، وأن ينزل الغني درجة، ويرتفع الفقير درجة، ويقترب كلا الفريقين من الآخر، فهذا أمر يؤيده الإسلام ،كما أنّ الأموال التي تُجبى من الضرائب تُنفق في المرافق العامة التي يعود نفعها على أفراد المجتمع كافة، كالدفاع ،والأمن، والقضاء ، والتعليم ، والصحة ، وغيرها من المصالح التي يستفيد منها كافة أفراد المجتمع ، وإذا كان الفرد يستفيد من وجود الدولة وسيطرتها، ويتمتع بالمرافق العامة في ظل إشرافها وتنظيمها وحمايتها للأمن الداخلي والخارجي، فعليه أن يمدها بالمال اللازم لتقوم بمسئوليتها. وكما يستفيد الفرد ،ويغنم من المجتمع وأوجه نشاطه المختلفة ممثلاً في الدولة، ففي مقابل هذا يجب أن يغرم ويدفع ما يخصه من ضرائب ، تطبيقًا للمبدأ الذي قرره الفقهاء وهو “الغُرم بالغُنم “.
ومن أجل ذلك قال أبو يوسف: لا ينبغي أن يُضَمَّ مالُ الخَراج إلى مال الصدقات؛ لأن الخَراج فَيْءٌ لجميع المسلمين، والصدقات لمن سمى الله عز وجل . ولهذا أيضًا قالوا: “لا تُصرف الزكاة إلى بناء الجسور، وتمهيد الطرق، وشق الأنهار، وبناء المساجد والربط والمدارس والسقايات، وسد البثوق”.
ولكن هذه الأمور ضرورية للدولة الإسلامية ولأي دولة، ولا سبيل لإقامة مصالح الأمة إلا بفرض ضرائب على أصحاب الأموال ، بقدر ما يحقق المصلحة الواجب تحقيقها، وفقًا لقاعدة: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”.. و قال بهذا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ، ذلك أنه لما تدفق المال في عهد الفتوح الإسلامية التي بدأت في عهد أبي بكر الصديق ثم استمرت في خلافة عمر وعثمان ، ونشأت الظاهرة الاجتماعية المعروفة وهي انقسام المجتمع إلى طبقتين : طبقة الأغنياء ،وطبقة الفقراء ،قام أبوذرالغفاري بدعوة عامة في هذا الشأن واجه بها الأغنياء ، وقامت هذه الدعوة على أساس أن الزكاة ليست كل واجب الأغنياء نحو الفقراء ، وكان يستند في دعوته إلى الآيات التي تنهي عن كنز المال ،وعدم إنفاقه في سبيل الله بعد أداء الزكاة ،وذهب إلى ذلك أيضا جماعة من التابعين كالنخعي والشعبي وعطاء ومجاهد ، حيث قال الشعبي بعد أن قيل له هل في المال حق سوى الزكاة ؟ قال : نعم أما سمعت قول االله تعالى ﴿ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ البقرةمن الآية:177 .
وقد أيد هذا الرأي وأفاض في الاستدلال عليه الإمام محمد بن حزم ،حيث قال : وفَرْضٌ على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ، ويجبرهم السلطان على ذلك ، إن لم تقم الزكوات بهم ، ولا في سائر أموال المسلمين بهم ، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه ؛من اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ، وبمسكن يُكِنُّهم من المطر ..
ويستند ابن حزم في دعواه بأن في المال حق سوى الزكاة إلى : القرآن الكريم بقول الله تعالى:(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ النساء من الآية 36. فالمولى سبحانه وتعالى أوجب الحقوق لذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل وأمر بالإحسان إلى الوالدين وغيرهم ، وما الإحسان إلا القيام بشئونهم ورعاية أحوالهم .
كما استند إلى السنة النبوية : فيما رواه عبد الله بن عمر(رضي الله عنهما ) ،أنّ النبي (صلى االله عليه وسلم) قال : ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ” ،أي من ترك مسلمًا يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد أسلمه. وأما من الآثار : ما روي عن علي بن أبي طالب ،قال :إن الله تعالى فَرضَ على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم ،فإن جاعوا أوعروا فبمنع الأغنياء ،وحق على الله أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه .
وخلاصة الأمر: أن في مجتمع معاصر، يعيش فيه المسلمون وغير المسلمين ، الزكاة شيءٌ ، والضريبة شيءٌ آخر.