نجوم الأرض تلمع ثم تختفي وقد لا تترك خلفها إلا الأثر التعيس.. لكنها أسماء سميناها لبعضهم ما أنزل الله بها من سلطان.. وقد ورد ذكر النجم في القرآن الكريم ٣١مرة منها تسع مرات بالجمع (النجوم) وأربع مرات بالمفرد (النجم) «وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر» كما جاء في سورة الأنعام الآية (٩٧).
فهل اسرفنا في اطلاق لقب النجم علي مشاهير الكرة والفن؟ وقد سألت أحد الشباب: من هو نجم رمضان الأول؟ وأدهشتني الإجابة عندما قال لي بكل ثقة: القرآن الكريم هو نجم رمضان.. وكم كانت سعادتي بهذا الجواب لأنه يعني الكثير بالنسبة لشاب وقد كنا في عمره ننظر إلي نجوم الأرض علي انهم ابعد من نجوم السماء بالشهرة والمال والأضواء.. وتلك خطورة هؤلاء.. وقد سألت الله سبحانه وتعالي أن ينعم علينا بنجوم بشرية من نوعية محمد صلاح الذي تحول إلي رسالة مدوية غيرت الكثير من المفاهيم في أوروبا والغرب كله عن الإسلام والعرب والمسلمين وعندما حصل علي انذار لانفعاله النادر في الملعب، استغرب الكل وهو علي البعد أقرب إلي بلده وأهله من هؤلاء الذين يعيشون بيننا وهم أبعد الناس عن عشيرتهم وهناك منهم من يمارس الاستفزاز علي جموع الغلابة وكأنه من طينة غير الطينة وعجينة غير العجينة مع ان الأصل بسيط ومتواضع مثل الغالبية بتقاليع ومظاهر: تخلع الشاب من جذوره إلي دنيا غريبة علينا ولا تتفق معنا كعرب سواء من المسلمين والمسيحيين لأن العادات والتقاليد واحدة.
بيان المصطفي
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه انه قال:
– خطب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: أيها الناس لا خير في العيش إلا لعالم ناطق أو مستمع واع .. أيها الناس انكم في زمن هدنة وان السير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود فأعدوا الجهاد لبعد المضمار فقال المقداد: يا نبي الله: ما الهدنة؟ قال: دار بلاء وانقطاع فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع ومحل مصدق ومن جعله امامه قاده إلي الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلي النار وهو الدليل إلي خير سبيل وهو الفصل ليس بالهزل له ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم عميق بحره لا تحصي عجائبه ولا يشبع منه علماؤه وهو حبل الله المتين وهو الصراط المستقيم وهو الحق الذي لا يعني الجن إذا سمعته ان قالوا «إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلي الرشد فآمنا به» من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن عمل به هدي إلي الصراط المستقيم لأن فيه مصابيح الهدي وفي حديث آخر قال المصطفي صلي الله عليه وسلم: »أنزل الله عز وجل مائة وأربعة كتب من السماء أودع علومها أربعة منها التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ثم أودع علوم الأربعة في القرآن المفصل ثم أودع علوم الفصل في «فاتحة الكتب» فمن علم تفسيرها كمن علم تفسير جمع كتب الله المنزلة.. والحديث أخرجه البيهقي في كتاب «شعب الإيمان».
«الفاتحة»
في كتابه «الدعاء في القرآن» شرح العلامة الدكتور محمود بن الشريف أسرار الفاتحة فهي دعاء المسلم وورده اليومي الذي يردده سبع عشرة مرة أو أكثر في اليوم والليلة.. وهي ترنيمة المؤمن وخبزه الايماني الذي يقتات به في مراحه ومغداه وفي صباحه ومساه وفي فرضه ونفله وفي تهجده وتعبده وهي باقة إلهية ضمت ألوانا عدة من مفاهيم العقيدة وأهداف الدعوة وأصول الشريعة وهي أم الكتاب والسبع المثاني بآياتها السبع التي تثني وتعاد في كل ركعة من ركعات الصلاة وسماها سفيان بن عينيه «الواقية» وهي أيضاً »الكافية« كما أطلق عليها يحيي بن كثير لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها وهي تبدأ بدعاء وتنتهي بدعاء.. والدعاء مخ العبادة.
وكما يقول الدكتور الشريف لعل هناك سرا إلهيا في أن تكون من فاتحة الكتاب كلها ودعاء وخاتمة الكتاب أيضاً كلها دعاء.. من شر النفس والدنس ومن شر الوسواس الخناس والفاتحة علاج نفس ضد الإحباط واليأس والقنوط.. لأن »الحمد« يشيع في القلب الاطمئنان والرضا والاستسلام وهو ما يحارب القلق والاضطراب والقنوط.. وأصحاب النفوس الحائرة يرددون: الحمد لله حتي تترسب في العقل الباطن ويتركز الحمد بمفهومه في اللا شعور وعند ذلك تتجلي له الحقائق ويجد في كل ضار نافع.. وفي كل بعيد قريب.. وما كان ضائعاً هو بين يديه وما كان يراه قبيحاً وتحت ناظريه يجد فيه نواحي الجمال والجلال التي كانت غائبة عنه ومحجوبة..
والبسملة وحدها جاء فيها سبع وعشرون مسألة كما ذكر تفسير القرطبي: فهي قسم الله الذي أنزله علي رأس كل سورة يقسم لعباده إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق واني أبشركم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري وقال بعض العلماء: بسم الله الرحمن الرحيم.. تضمنت جميع الشرع لأنها تدل علي الصفات والذات.
وقد روي الشعبي والأعمش ان رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يكتب باسمك اللهم حتي أمر أن يكتب بسم الله فكتبها فلما نزلت »قل ادعو الله أو ادعو الرحمن « (الإسراء ١١) كتب بسم الله الرحمن فلما نزلت »انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم» (النمل ٣٠) كتبها.. والبسملة تيجان السور وفي الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها حتي قيل ان جميع القرآن فيها وهي خمس وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن ومن شرفها ان الله سبحانه وتعالي قسمها بينه وبين عبده ولا تصح القربة إلا بها ولا يلحق عمل بثوابها وبهذا المعني صارت أم القرآن العظيم والإيمان الذي شغل القلب واستقر به بلغ الرضا وهزم مصائب الدنيا مهما بلغت.. فالحمد لله علي كل حال وهذا شيخ مريض أنهكته العلل وأضنته الأسقام.. فكف بصره وقطعت يداه وهزل جسده وتهدم بنيانه الظاهري ومع ذلك فإنه دائماً ما ردد بلسانه وكيانه قائلا: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به غيري وكثيرا من خلقه وسمعه رجل يقول ذلك فسأل: أيها الشيخ علام فحمد الله وأنا أري فيك جميع المصائب والبلايا؟!
فأجاب: انني أحمد الله الذي جعل لي قلبا يعرفه ولسانا يمجده ويذكره.
>> فالحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين المتصرف فيه بالعفو والصفح والمثوبة والعقاب والمؤمن مهما يعمل فإنه يستقل عمله في جانب الله ويستصغر ما أداه نظير نعم الله عليه ويعتقد ان ما قدم في دنياه من صالح العمل ومن ألوان الخير والبر لا تجزي يوم القيامة إلا إذا رضي عنه مالك يوم القيامة فلا جرم ان دعا وابتهل إلي مالك الملك والملكوت وإلي مالك يوم الدين ليغمره بغفرانه ورحماته يوم الدين «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم».
>> إياك نعبد وإياك نستعين.. فالاستعانة بالله فرار إليه وطلب العون منه وهي استعانة العاجز الضعيف بالقوي القادر واستغاثة الملهوف بالرب الرؤوف وتوجه ورجاء إلي مصرف الكون ومدبر الأمر ليزيل علة أو يزيح غمة أو يفرج كربة أو يحقق رجاء وهو الذي يهدي إلي الصراط المستقيم.. ويرشد المؤمن إلي النور بعد الظلام وإلي الحق بعد الباطل.. حتي يبلغ صراط الذين أنعم عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. غير المغضوب عليهم ولا الضالين.