من فضل الله ورحمته بعباده؛ أن يسّر علينا فعل الطاعات في شهر الصيام، وقوانا عليها وأعاننا على ترك المعاصي والشهوات، ولذا يكون من إقبال القلوب على الخير في هذا الشهر ما لا يكون في غيره، ومطالبة النفس بأن تقوم في غيره من الأيام والشهور بما تقوم به في رمضان مطلبٌ صعب، لأن الأسباب الموجبة لذلك في هذا الشهر العظيم لا تتوفر في غيره.
وللأسف الشديد فالبعض إذا خرج من رمضان؛ عاد إلى ما كان عليه قبله، من ترك بعض الفرائض والواجبات، أو ارتكاب بعض المعاصی والسيئات، وهذه وإن كان إثمها في رمضان أعظم، إلا أنه لا يسقط الإثم في غير رمضان؛ لأن وجوبها على العبد فعلاً وتركا على الدوام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تقربوها”.
ومن تلك المعاصي الانقطاع عن بيوت الله، والتساهل في صلاة الجماعة، وهجر القرآن الكريم الذي كانوا يقرأونه في رمضان، والتقصير في نوافل العبادات، بل والتقصير أيضاً في إخراج الصدقات وصلة الأرحام، وسوء الأخلاق!!.
ويُستحب للمسلم أن لا ينقطع عن العبادات والطاعات في غير رمضان، وقد شرع من الصيام والقيام والصدقات وفعل الخير ما يملأ الأوقات ويجعل العبد موصولاً بربه، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أحب الأعمال إلى الله تعالی أدومها وإن قل”، وقال: “یا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل”.
ومن النوافل التي شُرعت بعد رمضان صيام ست من شوال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر”، ومنها صيام يوم عرفة؛ فعن أبي قتادة أن النبي عندما سئل عن صيام يوم عرفة قال: “يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.
ومن النوافل أيضا التي يجب على المسلم المواظبة عليها بعد رمضان صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فقد جاء في حديث أبي هريرة، قال: “أوصاني خليلي رسول الله أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أركع ركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام”.
وكذلك قيام الليل طوال العام، فعن أبي هريرة له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل”، وكذلك الصدقة، قال تعالى: “الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”، وغير ذلك من أبواب الخير العملية التي فتحها الله لعباده على الدوام، فرب رمضان هو رب الشهور كلها.