د. عبدالرحمن عباس: بعضهم غير مؤهل.. ولا هم له سوى التربح
د. إلهام فاروق: رواق الأزهر الملاذ الآمن لن يريد الحفظ
تحقيق: مروة غانم
رغم الاتهامات التى توجه لوسائل التواصل الإجتماعى، من كونها مضيعة للوقت، وباعدت بين الناس، ومليئة بالمواقع والصفحات المخزية التى تحمل بين طياتها عوامل هدم الأخلاق وفساد المجتمعات، إلا أن لها وجها ايجابيا يغفل عنه البعض وهو امكانية التعليم عن بُعد, والتعليم الذى نقصده هنا يشمل كافة مناحى الحياة سواء العلم الدنيوى أو الشرعى .
فقد أصبحت صفحات كثيرة على السوشيال ميديا تدعو مريديها لحفظ القرآن الكريم وتدبر معانيه وتعلم أحكامه وتفسيره وهذا شئ حسن يحسب لتلك الوسائل لكن بعض هذه الصفحات لا يمتلك القائمون عليها أدوات ذلك وغير مؤهلين للقيام بهذه المهمة الكريمة! فنجد بعضهم يخطئ أخطاء لغوية فادحة فى كتابة “بوست” رغم قوله أنه محفّظ للقرآن! هذا بالاضافة الى سعى البعض للتربح من وراء ذلك وتحقيق الشهرة، لكن إحقاقا للحق فقد قمت بالتواصل مع عدد من هؤلاء الذين يروجون لأنفسهم لمساعدة من يريد الحفظ فوجدت أغلبهم يتقنون حفظ القرآن ولديهم اجازات بذلك، فضلا عن المبالغ الزهيدة التى يتلقونها، فبعضهم يعطى ثمانى حصص فى الشهر مقابل مائة جنيه فقط، وفريق ثانى يعطى أربع حصص مقابل أربعين جنيها فقط.
فحول تعليم وتحفيظ القرآن عبر الانترنت دار هذا التحقيق .
وفى البداية قالت “مريم أم أبيها” كما تطلق على نفسها على صفحتها الشخصية: بفضل الله أنا من خريجات الازهر ولدى إجازة عن سند ومؤهلة لتحفيظ القرآن وأرى أن الانترنت سهّل علينا أمورا كثيرة فأنا أستطيع عمل عدة حلقات على مدار اليوم دون أن أغادر منزلى، فضلا عن رعايتى لوالدتى المريضة، وهذا الوضع أفضل بكثير من الخروج للحلقات وقضاء أكثر من أربع أو خمس ساعات بها على أقل تقدير .
أكثر سهولة
وأشارت رباب عبدالخالق- محفظة ولديها اجازة- الى أنها تقوم بتحفيظ الكثير من صديقاتها وجاراتها عبر برنامج “زووم” دون مقابل محتسبة الأجر والثواب من الله، مؤكدة أنها حفظت القرآن فى إحدى دور التحفيظ بالشروق وكانت تمكث بها كل يوم ما يزيد عن خمس ساعات وكانت تصطحب معها أطفالها الصغار مما كان يسبب لها معاناة شديدة لكن بعد اتاحة الحفظ على الانترنت فالأمر أصبح أكثر سهولة ويسرا حيث مكّنها من التسميع على معلّمتها يوميا كما مكّنها من متابعة تلميذاتها بشكل أفضل .
تقدير الحفظة

أما هبة حسن- محفظة قرآن- فلفتت الى أنها تقوم بعمل حلقات على الانترنت للسيدات العاملات اللاتى لا تمتلك الوقت للذهاب لها كما تقوم بالذهاب للبعض الآخر الى بيوتهن مقابل 150 جنيها فى الشهر، وأشارت الى أنها لم تحدد مبلغا تتقاضاه نظير تحفيظها للقرآن انما تترك الأمر لتقدير الحفظة أنفسهم.
وطالبت بضرورة البحث الدقيق عند اختيار المحفظ عبر الانترنت وذلك بقراءة التعليقات على صفحاتهم ومعرفة ردود الناس عنهم، وان كان الافضل طلب الترشيح من المحيطين وأصحاب الثقة .
جائز بشروط
أما عن رأى المتخصصين فى هذه التجربة فيؤكد د. عبدالرحمن عباس سلمان- أستاذ مساعد العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين والدعوة بأسيوط- أن استخدام تقنيات الوسائط المتعددة الجديدة والانترنت لتحسين جودة التعليم وتحقيق الكثير من الأهداف والأمنيات فى التعلم شئ ايجابى وله محاسنه الكثيرة ويعد من الوسائل التى هيأها الله لنا, لذا يعد الانترنت سلاحا ذو حدين ان استخدمته فى أشياء طيبة مثل حفظ القرآن وتجويده ومعرفة تفسيره والتفقه فى الدين وتحصيل العلم النافع فى شتى المجالات فهو أمر طيب, أما اذا استخدمته فيما يضيع الوقت ولا يأتى بفائدة فشئ مؤسف ومحزن، وعليه فحفظ القرآن وتعلم أحكامه عن طريق المواقع والصفحات المختلفة المنتشرة على شبكة الانترنت فجائز شرعا وأمر جيد لا بأس به شرط أن تتوافر الضوابط التعليمية لمن يقوم بهذه المهمة .
وشدد على ضرورة أن يكون القائم بهذا العمل شيخا حافظا للقرآن متقنا له ومجودا لكتاب الله, ويكون قد تخرج فى الأزهر أو معاهد القراءات أو لديه اجازة بالحفظ باتصال السند، بمعنى أن يكون قد ختم القرآن على يد العلماء الثقات الأثبات المشهود لهم بالخبرة والكفاءة فى هذا المجال رجلا كان أو امرأة. كما يجب أن يكون مقدرا للرسالة التى يؤديها متحملا للمسئولية العلمية والأخلاقية تجاه كلام الله وهى مهمة شريفة تعتمد فى الأساس على اخلاص النية لله والأمانة العلمية .
ولفت الى أن الأفضل هو انتظام المتعلم فى حلقة مباشرة مع شيخ متقن مجود عالم بأحكام التلاوة, وان وجد معه الحفظ عن طريق الانترنت فلا بأس لكن هذا لا يغنى عن الحفظ المباشر مع الشيخ فهو أتقن للقراءة والضبط, لكن من تعذر عليه هذا التلقى نتيجة انشغاله بعمله أو لا نشغال المرأة مع أطفالها أو كبار السن الذين يمنعهم المرض من الخروج لتلقى العلم وكذلك اصحاب الأعذار المانعة كالذين يقيمون فى بلاد أجنبية ولا يتوفر لهم مراكز تحفيظ للقرآن فلا مانع من التلقى عبر الانترنت والاستفادة من الوسائل التقنية الحديثة .
التربح وجمع المال!
وحذر د. عباس من أولئك الذين يروجون لأنفسهم عبر المواقع المختلفة وهم ليسوا مؤهلين لذلك ولا همَّ لهم سوى جمع المال والتربح من وراء هذه المواقع فهذا يتنافى مع مهمة التعليم الأساسية لخلوها من الاخلاص والاتقان فضلا عن إلحاقه الضرر بالمتلقى.
معوقات الحفظ
توافقه الرأى د. إلهام فاروق- الواعظة بمجمع البحوث الاسلامية- مؤكدة أن القرآن له فضائل كثيرة لا تعد ولا تحصى, يكفى أنه يرفع من يحفظه حتى يبلغ منزلة الملائكة الكرام, حيث صح من حديث السيدة عائشة- رضى الله عنها- أنها ذكرت عن النبى قال :”مثل الذى يقرأ القرآن وهو حافظ له, مع السفرة الكرام البررة, ومثل الذى يقرأ وهو يتعاهده, وهو عليه شديد؛ فله أجران” لذلك الكثير يتهافت على حفظ كتاب الله ومدارسته, لكن قد يتعذر على البعض الذهاب لمراكز تحفيظ القرآن وللمحفظين فيتجه للحفظ عن طريق الانترنت من خلال بعض البرامج مثل: زووم, زيلو, واتساب وتليجرام, وغيرها من البرامج التى تتيح التواصل عبر الانترنت, ولاشك أن هذه الوسائل ساعدت فى ازالة كافة الصعوبات والمعوقات التى تحول دون حفظ كتاب الله .
وأشارت د. الهام الى حرص واعظات الأزهر على تنظيم حلقات تحفيظ للقرآن عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة, حيث توجد مقرأة إلكترونية عامة مجانية للواعظات, قمن فيها بتقسيم حفظة القرآن لمجموعات وذلك حسب الفئات العمرية, كما قمن بتحفيز حفظة كتاب الله عن طريق تقديم الجوائز والهدايا التشجيعية المختلفة مع تسليم شهادات تقدير لهم, ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قامت الواعظات باعطاء إجازات بالقرءاة للراغبات فى ذلك بعد إتمامهن دورات الحفظ والاجادة .
شر الناس
أشارت د. إلهام، الى عدم تأهل بعض القائمين للقيام بهذه المهمة الشريفة وافتقادهم لأدوات ذلك بأن يكون هدفهم تحقيق الشهرة أو جنى الأموال, أو كانت مخارج الحروف عندهم غير سليمة فهذا أمر محزن لانه يعود بالسلب على طلاب العلم والراغبين فى تعلم كتاب الله، وهؤلاء هم شر الناس, فشر الناس رجل يخبط فى معانى القرآن على غير هدى, ويتكلم فى كتاب الله بغير بينة, فذلك هو الكذب على الله وليس لمقترفه من عاقبة إلا الضلال فى نفسه والإضلال لعباد الله عملا بقول الله تعالى: “ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين “.
وشددت على أن محفظ القرآن يثاب اذا ساعد غيره على حفظ القرآن وتعلمه، كذلك يرتكب معصية كبيرة اذا علم فى نفسه أنه غير مؤهل للقيام بهذا الدور وأصر على ذلك .
أوضحت أن الطريقة التقليدية فى الحفظ مثل الكتاتيب والحلقات أثبتت فعاليتها, حيث يكون المحفظ أكثر قدرة على مراقبة مخارج الحروف عند الأطفال وكذلك الكبار، فضلا عن كثرة ترديد الآيات وشرحها وتدبرها، بالاضافة الى التنافس بين الحفظة مما يدفعهم للتعلم بشكل أسهل ويحثهم على الاشتياق لمجالس القرآن، وهذا هو الهدف الاساسى والاسمى، مشيدة بتوسع الأزهر فى فتح مكاتب تحفيظ القرآن الكريم عن طريق الرواق الأزهرى فى كل محافظات مصر والتى لاقت اقبالا منقطع النظير من جموع الشعب المصرى والذى يؤكد ريادة الأزهر ومرجعيته، فضلا عن الثقة الكبيرة التى يتمتع بها فى قلوب الناس، فقد صارت هذه الأروقة هى الملاذ الآمن لحفظة القرآن وملجأ للحريصين على معرفة أمور حياتهم الدينية والدنيوية