من المؤكد أن هناك حتمية شرعية، وتعاليم قرآنية واضحة وأراء فقهية معتبرة تفيد وقوع الطلاق الشفوى، وهذا هو سر إجماع هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف على رفض مبدأ عدم وقوع الطلاق إلا بعد توثيقه، وجاء بيانهم الأخير، الصادر يوم الخميس الماضى، ليجدد التأكيد على وقوع الطلاق الشفوى.
وقال شيخ الأزهر خلال تقديمه برنامج “الإمام الطيب”، المذاع عبر فضائية “CBC” فى نفس يوم صدور بيان هيئة كبار العلماء الأخير، وبعد عرضه لما جاء فيه: “ونحن نرى أننا إذا أردنا أن نُناقشَ هذا الأمر، ونصل فيه إلى رأى جديد شرعًا، فإنَّه لا مفرَّ لنا من عقدِ مؤتمرٍ عالميٍّ جامع، يضمُّ علماء متخصصين ممثلين لدول العالم الإسلامي، يجتمعون فيه ويناقِشون وينتهون إلى رأيٍ يصبح هو الرأى المعتمد بالإجماع أو الأغلبية. إذْ من المعلوم أن ما ثبت بالإجماع لا يتغيَّر إلَّا بإجماعٍ مُماثل”. انتهى كلام فضيلة الإمام.
وأقول: إن تزايد معدلات الطلاق فى مجتمعنا، بل فى كثير من مجتمعاتنا المسلمة، أمر يدعو للدهشة، ويدفعنا دفعا لبذل الوسع فى إيجاد حل لهذه المشكلة، أو على الأقل للتقليل من نسبتها حفاظا على الأسرة وتماسك المجتمع.
وللأسف الشديد اجتهد بعض أهل العلم الذين لا نستطيع أن نتهمهم فى نواياهم، فرأو – وليتهم ما رأو – أن عدم إيقاع الطلاق الشفوى سوف يحد من المشكلة، وحين ظهر هذا الرأى بقوة منذ أربع سنوات تقريبا، كادت تحدث فتنة فى المجتمع، واستطاع الأزهر الشريف بعلمائه الثقات أن يخمدها فى مهدها، إذ اجتمعت هيئة كبار العلماء وانتهت إلى أن الطلاق الشفوى يقع شرعا، وأنه لا مانع من أن يلزم ولى الأمر المطلق أن يوثق طلاقه حفاظا على الحقوق، ومنعا من التلاعب بالمرأة المطلقة، وحتى تستطيع أن تحصل على حقوقها التى من بينها إمكانية أن تتزوج من رجل آخر، ويصعب ذلك إذا لم يتم توثيق الطلاق.
ومن أشد الداعمين لفتنة عدم إيقاع الطلاق الشفوى الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الذى يعزف على نفس الربابة التى يعزف عليها الشيخ خالد الجندى، بل لعله يستخدم آلات أخرى للعزف، وتجرأ على مقام أساتذة الفقه والشريعة فى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وفى مجمع البحوث الإسلامية، وفى دار الإفتاء، وألمح فى غير موضع هو وصاحبه، إلى أن هؤلاء العلماء الكبار يمارسون ”الكهنوت” المرفوض فى الإسلام، وأنهم لا يملكون الكلمة الأخيرة فى المسائل الفقهية.
وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يدعى من يخالف رأى هذا الجمع الغفير من العلماء وما استقر عليه فقه الأمة على مدى الزمان، بأنه هو الذى يملك الكلمة الأخيرة ويريد إلزام المسلمين برأيه من خلال المطالبة بسن قانون يفرض على الناس عدم إيقاع الطلاق الشفوى، بالمخالفة للشريعة والدستور.
أنا شخصيا مطمئن إلى أن القوانين التى تصدر عن مجلس النواب لن تكون مخالفة للشرع لأن الأزهر الشريف يقوم بمراجعتها، وإذا حدث تجاوز فى ذلك الأمر، فسرعان ما يسقط هذا القانون بعرضه على المحكمة الدستورية التى تلتزم برأى الأزهر الشريف فيما يتعلق بأحكام الشريعة بموجب الدستور الذى هو أبو القوانين.
والفتنة التى أقصدها فى عدم الاعتراف بالطلاق الشفوى هى حالة الفوضى والبلبلة والتشويش التى ستحدث فى المجتمع لدى بعض العوام فى قضية خطيرة يترتب عليها حلال وحرام وهدم علاقة محترمة أو إقامتها، ولا يجوز التلاعب فيها ولو بالهزل، وفى ذلك يقول الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فى حديث صحيح رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجة: “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة”. ومعنى الحديث أنه لو طلق أو نكح أو راجع وقال: كنت فيه لاعباً لا ينفعه قوله هذا، والله أعلم.