لا يستطيع أى مجتمع أن ينهض ويحقق أهدافه وآماله وطموحه بغير منظومة أخلاقية تعلى من شأن قيم العمل الجاد، والاجادة واحترام الوقت والاقبال على العلم وقبول الآخر، وتنمية المشاركة العامة لكل أفراد المجتمع رجالاً ونساءً دون تفرقة أو تمييز إلا بالاحتكام للمواهب والملكات الخاصة والتأهيل العلمى والخبرات المكتسبة والأصل أن يكون للمثقفين دور بناء فى دعم هذه المنظومة الأخلاقية، وأن تكون أقلامهم وكلماتهم موظفة لخدمة المجتمع وقضاياه والنهوض به وترشيد حركته ودفعه إلى الأمام وتمكينه من مواجهة التحديات التى تقابله سواء كانت تحديات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
وعندما نتحدث عن الثقافة فى مصر فإنما نتحدث عن الثقافة فى مجتمع له تاريخه الحضارى الممتد عبر آلاف السنين والذى امتزجت فيه عناصر للحضارة الإسلامية بكل الحضارات والثقافات السابقة لها.. واستطاعت الثقافة الإسلامية العامة أن تكون هى الثقافة العامة لكل أفراد الشعب المصرى مسلمين وأقباطا، حيث لا يختلف المسلم عن القبطى إلا فى المعتقد الدينى وما يقضى به من شعائر وأحكام خاصة، وهذا هو الفارق بين مصر باعتبارها بلدا إسلاميا وبين البلاد الأخري- الغربية مثلا- من حيث مرجعية المنظومة الأخلاقية ومن ثم أسس الثقافة العامة.
ومما لاشك فيه ان الثقافة المصرية مستهدفة بعملية تغريب وتسطيع فى مجالات عديدة، وأن بعض المثقفين مشاركون فى هذه العملية سواء بوعى أو بلا وعي.. وحين نتأمل درجة انهيار المنظومة الأخلاقية اليوم فى كافة مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية ندرك أن الأخلاق تعيش حالة من الاغتراب وفساد الذوق العام وأصبحت الوسيلة الإعلامية تقدم لنا ألواناً من اللهو والفساد يتذوقها البعض على أنها ثقافة وحضارة وفن وارتقاء.
إن أزمتنا الأخلاقية قد تجذرت فى عمقنا وفى أنفسنا وفى كل ما يتعلق بحياتنا، نبصرها فى الأسرة الواحدة وبين المرء وأخيه وأمه وأبيه وكل من فى محيطه القريب والبعيد، نبصرها فى مواقع التواصل الاجتماعى وفى المؤسسات والجامعات العلمية وفى الأسواق والتجمعات فى مجال التجارة والعمل والمال، فلا عجب أن يخرج من بيننا الشاكوش وبيكا وأورتيجا بكلماتهم الماجنة وألفاظهم التى يعاقب عليها القانون على أنها نوع من الفن، وهى فى حقيقتها اسفاف وهبوط بالذوق العام.. ولا عجب أيضاً أن نرى بعض من يطلقون على أنفسهم فنانين وهم شبه عرايا على المسرح وأمام الجماهير ويلقبون بـ»نمبر وان«.. فهذا كله تجنى على الذوق العام وعلى الأجيال القادمة التى تاهت وسط هذه المنظومة غير الأخلاقية.
لذلك أدعو الوزارات المعنية الثقافة والشباب والأوقاف والتعليم وعلى رأسهم الأزهر الشريف أن يجعلوا الأزمة الأخلاقية فى المقام الأول للعلاج.. فمقياس رقى الأمم ونهضتها هو إحياء منظومتها الأخلاقية التى أصبحت لدينا فى خطر وأن لم نتداركها فذلك شر مستطير.
وختاماً :
قال الشاعر :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا