رمضان المبارك من الشهور المفضلة، حيث فَضَّلَه الله بأن افترض علينا صيامه، وأنزل فيه القرآن، وجعل فيه ليلة مباركة، هي ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، وهو شهر البركة والرحمة والمغفرة والعتق من النار، تضاعف فيه الحسنات إلى ما شاء الله، وتغفر فيه الخطايا، وترفع فيه الدرجات، وكان رسول الله يستقبل شهر رمضان بصورةٍ خاصّةٍ؛ إذ لم يكن استقباله له كاستقبال سائر الشهور؛ لما له من مكانة خاصّة، ومنزلة عظيمة عنده وعند صحابته الكرام رضي الله عنهم.
وكان السَّلَف الصالح -رحمهم الله- يستعدّون لاستقبال رمضان بالتوبة والدعاء والتضرُّع إلى الله، لاسيّما أنّه شهرٌ مباركٌ، وهو شهر القرآن، والصيام، والقيام، والجهاد، والصبر، والدعاء، وفَتْح أبواب الجنّة، وغَلْق أبواب النار، وتصفيد الشياطين؛ ولذلك ينبغي لكلّ مسلم أن يحسن التأهب والاستعداد لاستقبال هذا الشهر المبارك، واستغلاله بالطاعات والعبادات، ويجدر بنا هنا أن نذكر للقارئ الكريم بعض الأعمال يستقبل بها هذا الشهر الفضيل، ومن هذه الأعمال الآتي: أولًا: الدعاء والتضرع إلى الله أن يبلغنا رمضان ونحن في أحسن حال وأهنأ بال، وأن يعيننا على صيام نهاره، وقيام ليله، وأن يجعل عبادتنا فيه صالحة وخالصة لوجه الله، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق، وأن يتقبل منا صالح الأعمال؛ لأن ذلك من أعظم النعم، وأجل المنن.
ثانيًا: الفرح والتفاؤل؛ لأن العبد الصالح يستقبل مواسم الخير والطاعات بالسرور والاستبشار طمعًا وأملًا فيما عند الله مما أعده لعباده المؤمنين الصالحين المخلصين من فضل عظيم، وأجر كبير، فتسعد القلوب المؤمنة، وتتفاءل الأرواح الطاهرة وتستبشر بالقُرْب من ربّها جل جلاله.
ثالثًا: الاستعداد النفسي والبدني، والتهيؤ المُسبَق لقدوم شهر رمضان. وذلك من خلال تربية النفس وتزكيتها، وتعويدها وترويضها على الطاعات، كقيام الليل، وصيام النهار، وتلاوة القرآن؛ لكي يتمّ الاستعداد لأداء الطاعات في رمضان من غير كُلْفةٍ ولا مَشَقّةٍ.
رابعًا: الاستغفار والتوبة النصوح الخالصة الصادقة -وهي واجبة في كل وقت وحين- من السيئات التي اجترحها، والخطايا التي اقترفها، والآثام التي ارتكبها، والعودة إلى الله بإسلام الوجه له، وإخلاص النية، وإصلاح العمل، وتخليصه من شوائب الرياء؛ لأن الله يجزي العبد على نيته؛ حيث جاء عن النبي أنه قال: “إنَّما الأعمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى”، ولأن شهر رمضان يُعَدّ من الأزمنة المباركة التي يعود فيها العباد إلى ربّهم، ويثوب الغواة إلى رشدهم، ويتوب العُصاة من ذنوبهم، ويُقْبِل العباد على الطاعة والعبادة خاشعين مجتهدين مغتنمين شرف الزمان وفضله وبركته؛ حتى لا يقع الندم بعد فوات الأوان.
خامسًا: إعلان الصلح مع الله جلّ في علاه، وإخلاص وتجديد النيّة، وعَقْد العزم على استغلال هذا الشهر وغيره من الأوقات المباركة ومواسم العبادات بالتزام الطاعات والحسنات، واجتناب المعاصي والسيّئات، وتطهير القلوب من الغل والحقد والرياء ومن سائر الأمراض التي تحبط الأعمال، وتأكل الحسنات؛ لأن المعاصي والخطيئات تُعَدّ سبباً لعدم التوفيق إلى الطاعات والعبادات، وقد يُحْرَم العبد بسببها الرزقَ ولذّةَ القُرْبِ من الله، والتوفيقَ إلى التزام أوامره، واجتناب نواهيه.
سادسًا: إعادة حقوق العباد إلى أهلها؛ لأن حقوق العباد قائمة على المُشاحّة والمخاصمة، وحقوق الله قائمة على العفو والمسامحة، فلابد من ردّ الحقوق والمظالم إلى أصحابها قبل ألا يكون دينار ولا درهم، ولا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، حيث ورد أن الشهيد – وهو من هو في منزلته عند الله- يغفر له كل الذنوب إلا الدين، فعن عبداللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أنَّ رسول اللَّه قَالَ: “يَغْفِرُ اللَّهُ للشَّهيدِ كُلَّ ذَنْبٍ إلاَّ الدَّيْنَ”.
سابعًا: تَعَلُّم أحكام الصيام؛ لكي تكون عبادتنا لله على علم، فقد ذهب علماؤنا إلى وجوب تعلُّم أحكام الصيام على كلّ مَن وجب عليه؛ لأنّ الجهل بأحكام العبادة وشروطها وآدابها من الأسباب التي قد تحرم المسلم من الأجر والثواب، فَلَرُبّما صام من لديه عُذْرٌ شرعيٌّ يُوْجِب الإفطار، أو أفطر من لا عذر له وهو يظن أنه معذور، وقد أُمِرْنا أن نعبد الله على علم؛ حيث لم يقل الله لنبيه: قل لا إله إلا الله، وإنما قال له: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ”. بَلَّغَنا اللهُ وإياكم رمضان، وجعلنا من المقبولين الفائزين.