الأزهر والكنيسة.. شجرتا المحبة والسلام للمصريين
كتب مصطفى ياسين
احتضنت الكنيسة الإنجيلية بالأزبكية سهرة مصرية خالصة “فى حب الوطن”، جمعت بين عدد كبير من مختلف الطوائف وفئات المجتمع، سياسيين ونواب ومفكرين، من المسلمين والمسيحيين، المقيمين وأبناء المهجر، بالتزامن مع تلاقى صيام شهر رمضان والصيام الكبير، الذى أضفى مزيدا من روح المحبة والتقارب الدينى والوطنى.
حيث تحول الاحتفال بمرور ٦٠ عاماً على تنصيب القس د. ثروت قادس، والذى أداره د. نادى لبيب، راعى كنيسة المقطم، المتحدث باسم مجلس سنودس النيل، بحضور القس د. راضي عطا الله، رئيس السنودس، إلى ساحة فكرية، وتبارى الحضور في تأكيد الهوية الوطنية، وتفرد الشخصية المصرية فى صنع سبيكة وطنية غير مسبوقة في العالم، بعيش جميع أبناء الوطن فى نسيج واحد، تحت مظلة المواطنة الكاملة، لا تمييز عرقى أو دينى أو غيره.
واعربوا عن تفاؤلهم بتحقق الخير والصلاح والتقدم والازدهار في المستقبل القريب، خاصة مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى فترة رئاسية جديدة، لاستكمال مسيرة التنمية وإنجاز المشاريع القومية العملاقة التي تبنى مصر الحديثة المنطلقة نحو الجمهورية الجديدة.
جمع الاحتفال بين الغذاء الروحى بكلمات الحضور فى قاعة الكنيسة، ثم تناول الإفطار، وأداء صلاة المغرب بإمامة الشيخ جابر طايع، وسماع ترانيم فريق الكنيسة. فى جو روحانى، صناعة مصرية متفردة.
السلام حياتى
أرجع د. ثروت قادس، جانباً كبيراً من تكوينه الشخصى، لحضوره مؤتمر اسلامى نظمته وزارة الأوقاف برعاية د. محمود زقزوق، عام ١٩٩٦، ومشاركة البابا شنودة، الذى تعلمنا منه البسملة المصرية المتميزة “بسم الله الواحد الذي نعبده جميعا”، قائلا: بها شاركت فى تنظيم الحوارات، وهذا ما دفعنى للحصول على اول دكتوراه وكانت في الفقه الإسلامي، حتى أفهم من سأتحاور معه، وخلصت إلى أن “ما نتفق عليه نتمسك به، وما يفرقنا نبعده”، مؤمناً بأنه “لا توجد مشكلة ليس لها حل”، فأصبح السلام حياتى وأساس فكرى، وعلينا أن نتذكر ترديد المسيح لكلمة “السلام” بالعبرية أو الآرامية “شالوم خاليكوم”، أى السلام عليكم أو لكم أو بكم.
بانى الجسور
وأكد القس د. أندريه زكى، رئيس الطائفة والهيئة الانجيلية، أن د. قادس عِشرة سنوات، صاحب البيت المفتوح دائما لجميع المصريين في ألمانيا، نموذج للتأقلم مع الحضارة الغربية، مع الحفاظ على العادات والتقاليد المصرية في ذات الوقت، التعامل وكأنه ألمانى، ويقوم بدوره الوطنى المحب لمصر، محذرا من أن المتطرفين موجودون في كل الأديان والمذاهب، ولكن علينا تقديم الصورة الحقيقية للدين وللوطن، وهذا ما يتميز به د. قادس الذي قام ببناء الجسور مع الجميع، فهو نموذج للعيش المشترك مهم جدا وسط النماذج المتطرفة يجب إبرازها، يتميز بالصدق في العلاقات لتقويتها، وهذا أروع شئ لخدمة الدين والوطن.
نسيج متماسك
ووصف د. نزار السيسى، المستشار بمجلس الوحدة العربية الاقتصادية، تكاتف وترابط الشعب المصري بأنه فى وحدة وطنية متميزة، وترابط وتداخل فى نسيج متماسك ولا احد يستطيع أن يفرق بينه أو يبث الفتنة، طالما تسلحنا بالوعى والاصطفاف على قلب رجل واحد، فالله منحنا الحب والإخلاص والانتماء للوطن الذي يجمعنا دوماً بلا تمييز عرقى أو دينى أو غيره، لذلك سيظل دائما وابدا فى ترابط وتماسك إلى يوم الدين.
الحب المتبادل
وكترجمة واقعية للحالة المصرية الفريدة في العيش المشترك، استفتح د. سعد الهلالى، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، حديثه بقوله “بسم الله”، قائلاً: لأنى فى بيت الأمان والمحبة، ود. قادس راض عن نفسه وحب كل الناس الذين تعاملوا معه يؤكد هذا الحب المتبادل وهو مهم لوأد الفتنة ودحض الاتهام بأن الكنائس “دُشَم عسكرية ونوايا غير طيبة تجاه الآخر”! مستنكراً: أين هذا الافتراء؟ إن روح المحبة هى التى بيننا، ولذلك نجا الله مصر بصفاء وسلامة قلوب أهلها، وقدم التهنئة لمصر وللرئيس بتولى فترة رئاسية جديدة، إن شاء الله تكون خيراً ورخاء.
مشكاة واحدة
ووصف الشيخ جابر طايع، وكيل وزارة الأوقاف سابقا، هذا المكان بأنه بيت الله، فالكنائس هى فعلا بيوت الله، والمصريون المخلصون لا يفرقون بين المسجد والكنيسة، وضرب مثلاً بما حدث معه صغيراً حيث تربى ونشأ في الأقصر ، وذات مرة خرج مع والدته فاختلفت مع إحدى السيدات، وكانتا أمام كنيسة مقابلة للمعهد الديني، فوضعت والدته يدها على جدار الكنيسة وأقسمت “وحياة بيت ربنا هذا ما حدث!”، وهذا يؤكده القرآن الكريم بوصفه “البِيَع” وهى الكنائس أى بيوت الله، فهذه هي مصر التى نعرفها، تعايش سلمى من المحبة والسلام، وجود علماء الأزهر والأوقاف فى هذا الجمع يؤكد التسامح والعيش المشترك، فالأديان كلها من مشكاة واحدة.
وأكد القس د. بشير انور نودى، راعى الأقباط الإنجيليين بالجيزة، أن شجرتا الأزهر والكنيسة المصرية تظللان على مصر بالخير والسلام، لذلك ستظل مصر مترابطة ونسيج واحد بترابط وتماسك أهلها.
شركاء خدمة
واستعرض القس د. أيمن سامى، رئيس مجمع الدلتا الانجيلى، تاريخ ومسيرة د. قادس، وزوجته د. ناهد، مؤكداً أن جميع الدعاة والقساوسة، مسلمين ومسيحيين، شركاء خدمة واحدة للناس والمجتمع، والتفاعل معهم لحفظ الناس من الشر.
ووصف القس نبيل لبيب صهيون، رئيس مجمع القاهرة، مسيرة د. قادس بأنها رحلة عطاء متميزة وتاريخ مجيد ومشرف، أصبح فيها سفيراً لخدمة الكنيسة، قدوة لأجيال مختلفة، سفيرا للعلاقات المصرية الألمانية، سفيراً للعلاقات المسكونية والحوار الإسلامى المسيحى، بفكر واع وقلب محب لتعميق قبول الآخر.
كما وصفه د. ماجد كرم، نائب سنودس النيل، بأنه صاحب رؤية إصلاحية حيث قام بتأسيس مجلس الحوار والمسكونية، وأكاديمية الحوار الدولية، فضلاً عن كونه مرتبط بجذوره المصرية رغم سفره لألمانيا منذ عام ٧٦.
وأشار القس د. أيمن فتحى، إلى أن رحلة د. قادس هى عطاء مستمر لسنوات طويلة، سفير فوق العادة لمصر فى الغرب، ولديه الانتماء للوطن والكنيسة المصرية، يتعامل مع الإنسان كإنسان فقط بلا تمييز عرقى أو دينى أو غيره.
نحب بعضنا
وأشار رئيس الاتحاد العام للمصريين بالخارج م. اسماعيل، بأنهم يواجهون صعوبات خارجية أشد من الداخلية، ولهذا تعلمنا من د. قادس مواجهتها بما يتميز به من الصدق والأمانة والإخلاص والمحبة، مرددا: يجب أن نحب بعضنا بجد.
وقدم القس بهاء، راعى كنيسة بورسعيد، هدية تذكارية للقس قادس على جهوده الرعوية والإنسانية.
وسلط الكاتب روبير الفارس، مؤلف كتاب عن ثروت قادس رحلة عطاء، الضوء على جوانب إنسانية ووطنية عن د. قادس.
نموذج فريد
ووصفه م. عادل اسماعيل، عضو اتحاد المصريين بالخارج، بأنه جمع بين ثقافة الشرق والغرب، وريادة الأعمال والتنمية المستدامة، في كل أنشطته.
وقال عنه الحاج محمود فضل، أمين عام اتحاد الجاليات المصرية فى أوروبا، إنه رمز وشعار للتسامح وفهم الأديان وتصحيح المفاهيم، يعكس دور المصريين في الخارج والاندماج مع الغرب والحفاظ على هويتهم، نموذج فريد لدور المهاجر فى الخارج، ورائد الحوار.
إرادة إلهية
وأشار محمد فريد، عضو اتحاد المصريين بالخارج، إلى وحدة المصريين التى أرادها الله تحققت فى صيام رمضان والصوم الكبير معا، فمصر يد واحدة ضد أى مخرب أو أى يد آثمة تعمل ضد هذا الوطن الغالي.
وقال الشيخ أحمد صابر، أوقاف الجيزة، إن مصر عند الله شئ عظيم د، فقد شرفها بوجود الكثير من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين، تظللها المحبة التى لا تسقط أبدا، فقلوبنا جميعا كمصريين نهر من الحب، ومصر متدينة قبل وبعد الأديان.