مسألة سفر المرأة بلا محرم من المسائل التي أخذت حظها من المبالغة والتهويل في توضيح حكمها، شأنها شأن كل ما يخص المرأة من قضايا، رغم أنها في غاية البساطة واليسر، وتعالوا بنا نتفق على أمور ثم بعدها يظهر الحكم الشرعي لمسألة جليا:
الأمر الأول: لو أن زوجي سافر بدوني لمدة عام للعمل أو للعلم برغبتي هل يوجد محظور شرعي؟ بالطبع لا.
الأمر الثاني: لو أن زوجي نقلني برغبته من المدينة وتركني عند أهلي بمفردي لمدة أسبوع في القرية هل يوجد محظور شرعي؟ بالطبع لا.
الأمر الثالث: نؤمن بأن السفر اليوم بالطائرة أوبالقطار أو بالسيارة أكثر أماناً من السفر قديماً على الراحلة خاصة للمرأة، لأن المراة إذا سافرت سفراً مسافته طويلة (ثلاثة ايام بلياليهن) على راحلة، بكل تأكيد هي عرضة للخطر والاعتداء عليها خاصة في حالة عدم توافر الأمن، ولذا اشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تسافر مثل هذه المسافة بفردها إلا مع زوج أو ذي رحم محرم، أما عند توافر الأمن فلا حرج في سفرها بمفردها حتى في زمن السفر على الراحلة، لأن النبي صحَّ عنه أنه قال: “فوالذي نفسي بيده ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتي تسير الظعينة من صنعاء إلي حضرموت لا تخشي علي نفسها شيئاً إلا الله والذئب علي الغنم”، فما بالنا بتطور العصر وقلة عدد ساعات السفر من أيام وليال إلى سويعات قليلة، إضافة إلى توافر الأمن غالباً؛ إذن حديث النبي يخص سفر المرأة في حالة غياب الحالة الأمنية، وإذا كان الحكم عند العلماء يدور مع العلة وجودً وعدماً، فينعدم الحكم لانعدام علته.
الأمر الثالث: حديث النبي: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم” صحيح، المقصود منه أن المرأة التي تسافر سفراً طويلاً مسافته تبلغ مسافة القصر (85 كم) أو يستغرق طول الطريق هذا ثلاثة أيام بلياليهن بركوب الرحال ودبيب الأقدام، فيجب أن يكون معها زوج أو ذي رحم محرم، أي النهي يخص الطريق فقط، أما المبيت بدون محرم، أو سفر المحرم بدونها فلا حرج فيه عند أهل العلم، وإنما وضعوا له ضوابط حتى لا يترتب عليه مفسدة.
ولذلك أرى أن مذهب السادة الشافعية في هذه المسألة هو الأسعد والأولى: وهو جواز سفر المرأة بدون زوج أو ذي رحم محرم طالما كانت في رفقة آمنة سواء كان السفر للحج أو للتعليم أم للعمل، وحتى يكون الكلام أكثر وضوحاً المراد بالرفقة الآمنة، اي التي تشعر المرأة بالأمان على نفسها وعرضها في وسطهم ويمكن ترجمتها في المسافرين معها على متن الرحلة أو المسافرين معها في القطار أو أي وسيلة من وسائل المواصلات.
وعلى ذلك أقول: لا إثم بإذن الله تعالى على الطالبات الوافدات من خارج مصر والمقيمات في بلادنا لطلب العلم وغالبهن بدون محرم، ولا أبالغ إن قلت أنهن نموذج يحتذى به للمرأة المسلمة خارج وطنها، ومن باب أولى الطالبات المصريات القادمات من كافة محافظات مصر سواء كن ساكنات المدينة الجامعية أم سكن خارجي.