كتبت منى الصاوي
منذ بداية اندلاع العنف في الأقصى، تسعى الأديبة مريم توفيق إلى تصوير الواقع وسرد القصة بكل دقة، إذ تتألم وتبكي مع كل طفل يفقد حياته بين أيدي آلة الحرب الإسرائيلية، سواء كانوا في أحضان أمهم أو خلف جدران منازلهم، بهذه الكلمات المعبرة استهل اللواء محمد عمر، أحد أبطال الصاعقة بالقوات المسلحة، ومؤسس رجال من ذهب، كلمته بالندوة التي أقيمت السبت الماضي، بمكتبة القاهرة الكبرى، لمناقشة العمل الإبداعي للأديبة المذكورة الذي حمل عنوان “لصوص الأرض خيانة وغدر “.
أضاف عمر، أن الأديبة مريم توفيق استطاعت أن تجسد بكلماتها معاناة الشعب الفلسطيني كما لو كانت من علماء الأزهر الشريف، فهي مسيحية الهوية، مسلمة الهوى.
أوضح أن الأديبة جسدت معاناة النساء اللاتي يفقدن أحبائهن تحت أنقاض بيوتهن، وإلى الشبان الذين يصبحون شهداء أو جرحى دون ذنب سوى رغبتهم في السلام واستعادة أرضهم.
ومن ثم انتقلت الكلمة إلى الأديبة والشاعرة مريم توفيق، التي استهلت حديثها بتحية الإسلام ” السلام عليكم”، ثم ألقت قصيدة بديوانها الشعري.
وأضافت توفيق، أن القضية الفلسطينية هي شغلها الشاغل منذ اندلاع الحرب، إذ استمرت في تسليط الضوء على الظلم والمعاناة الواقع على أبناء الشعب الفلسطيني.
انتقل الحديث بعد ذلك إلى الدكتور غانم السعيد، العميد السابق لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، الذي بدأ حديثه مازحا، “الأديبة مريم توفيق خريجة الأزهر”، وضجت القاعة بالضحكات.
فند السعيد العمل الإبداعي “لصوص الأرض خيانة وغدر”، مؤكدا أنه من وجهة نظره هذا الكتاب من أهم ما طرحته الأديبة مريم توفيق الذي يتابع جيدا كل ما تطرحه وتقدمه.
أشار أستاذ اللغة العربية، إلى أنه برغم استمرار الحرب، إلا أن الكاتبة تحول قلمها إلى صديق وفي لتعبر عن مشاعرها وتفاعلها مع الواقع، من خلال قصائدها. “لصوص الأرض خيانة وغدر”، لافتا إلى أنها طرحت هذا المؤلف في خضم الأزمة، ويرجح أنها عطلت مهام حياتها لإنجاز هذا الكتاب.
تابع، “ناقشت الأديبة مسائل تهم كل إنسان وتجسد ما يجول في صدورهم، مشيرة إلى أهمية دور الكاتبة لتسليط الضوء على قضايا تحتاج إلى توعية وتفكير من الأجيال الحالية والمستقبلية حول دور مصر الحضاري والعلمي ودور أبنائها في نشر الحق والعدالة، لا سيما تجاه القضية الفلسطينية”.
استطرد السعيد حديثه قائلا، “استطاعت مريم توفيق أن تلمس أوجاع الشعب الفلسطيني وتجسدها بكلمات مؤثرة تتراوح بين الحنين للقدس والتضحية بالغالي والنفيس من أجل الحرية، إذ تنقلت بين مواضيع متنوعة تشمل الاحتلال الإسرائيلي ومساهمة مصر والأزهر الشريف في دعم القضية الفلسطينية، لم تتردد في الحديث عن الأعمال العدوانية لنتنياهو ضد غزة وسلوكه العدواني الدائم، بينما تكتب عن الشهداء والجرحى، تستمر في توثيق جرائم الاحتلال واغتياله لجميع فئات المجتمع، بما في ذلك الصحفيين مثل شيرين أبو عاقلة”.
تصوّر مريم الواقع بصدق وشجاعة، وتعبر عن أملها في نصر قادم يعيد للفلسطينيين حقوقهم وكرامتهم المسلوبة بكلماتها المؤثرة، بحسب ما ذكره السعيد.
حلل أستاذ اللغة العربية غلاف الكتاب من الناحية النقدية الأدبية، قائلا إن النص المواز للكتاب جاء شارحا ما يحمله محتواه، بداية من الأسلاك الشائكة التي يطلق عليها الفصل العنصري، مرورا بالاستدلال بطائر الغراب المعروف بخيانته وغدره وهنا يرمز لليهود، انتقالا إلى صورة الرجل بساقي من جزع الشجرة المتجذر في الأراضي الفلسطينية، وصولًا إلى الكوفية الفلسطينية التي تعتبر رمزا للقوة والعزة والصمود.
أكد السعيد أن الكاتبة وجهت رسالة مؤثرة إلى القدس، معبرة عن غرام الشعب الفلسطيني لهذه المدينة المقدسة، إذ أشادت بتاريخها العظيم وعنايتها بمقدسات البشرية، وتمنت لها السلام والأمان بعد جروح الظلم التي ألحقتها بها قوى الاحتلال.
وتابع، أعربت الأديبة عن ثقتها في أن يأتي اليوم الذي يعيد فيه الإنسان إلى الحق والعدل، وتعود القدس إلى عصرها الذهبي من الضياء والمحبة، حيث يتحقق التسامح بين جميع الأديان وتنبثق الأماني السامية من قلب هذه الأرض المقدسة.
وأضاف، في تحليلها، لم تتجاهل مريم توفيق دور الأبطال التاريخيين الذين حرروا القدس مثل صلاح الدين الأيوبي، وشددت على الدور الكبير الذي قامت به مصر بقيادتها الحكيمة وبطولات شعبها في دعم الحق والسلام، حيث وصفت مصر بأنها “الشامخة” التي تحدت كل مظاهر الظلم بقوتها وعزيمتها، وثنت على تاريخها العريق، وأكدت على رفضها للذل والانحناء”.
وفي جزء آخر من كتابها، ألقت الكاتبة الضوء على شعب مصر ورئيسها وجيشها والأزهر الشريف، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، الذي حظى بمساحة كبيرة في المؤلف، مشيدة بجهودهم في دعم القضية الفلسطينية ومقاومة الظلم، كما أشادت بقوات الجيش المصري وما قدموه من تضحيات في سبيل الحفاظ على الكرامة والعزة، بحسب تعبيره.
اختتم السعيد حديثه مشيدا بالنهاية التي اختارتها الكاتبة، التي وجهت رسالة إلى شعب فلسطين، مشيدةً بوحدتهم وعزمهم على المبادئ السامية، ورفضهم للذل والبهتان، لافتا إلى أنها كاتبة تعرف مدى قوة تأثيرها حيث وجهت تحذير شديد اللهجة إلى إسرائيل، قائلة “لا تأمنوا من شب غدارًا، ولا من خان أو صادق الشيطان”.