بقلم الدكتور عادل القليعي
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
نعم ليس لها من دون الله كاشفة ، كثر الخبث هنا وهناك ، انتشر الفساد فى الأرض واستشرى خطره ، موبقات مهلكات ، فسق وفجور وسفور ، نزعات مادية استفحل خطرها كادت أن تعصف بالإنسان بما هو كذلك أو أوشكت ، عقوق في كل صوره ، نهب وسلب وسرقة وجشع واحتكار ، قتل أطفال وتشريد آلاف الأسر وتجويعهم فى أرض الله ، ظلم بين حرمه الله على نفسه وجعله محرم بين العباد لماذا كل هذه المهلكات ؟!
الإجابة واضحة لذوي البصائر النيرة ، البعد عن الله ، والبعد عن منهجه القويم الذي ارتضاه لنا والذي من خلاله سدنا العالم وتكونت امبراطوريتنا الإسلامية ، وما ضاعت ممالكنا وملكنا إلا بتفريطنا فى هذا المنهج الذي شرعه لنا الله تعالى ووثق عراه المعصوم صلى الله عليه وسلم فهل حالنا الآن يرضي أحد ، نعم يرضي من على غير شرعتنا وديننا.
لكن ورب محمد لا يرضى لنا الله ورسوله هذا الوهن والضعف والتشتت والتشرزم وإنما يرضى لعباده المنعة والقوة فالمؤمن قوي يستمد قوته من قوة الله وحبله المتين.
كيف السبيل إلى الخروج من هذا المأزق ، الإجابة واضحة لمن شاء أن يستقيم ، العود الحميد إلى الله تعالى قلبا وقالبا ، قولا وفعلا.
الاستغفار ، ثم الاستغفار ، ثم الاستغفار ، والتوبة النصوح الخالصة لله تعالى ، ففيهما
العلاج الناجع لكل البلايا والشرور والرزايا، مصداقا لقول الله جل وعلا: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا، ثم اهتدي).
وغفار صيغة مبالغة علي وزن فعال، أي استمرارية وديمومة المغفرة،
فالله تعالي ببسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل.
ولا يزل العبد يذنب والرب يغفر مالم يغرغر، ولايزال الله تعالى يقبل الاستغفار ويغفر مالم تطلع الشمس من المغرب.
فماذا سيفعل الله بعذابنا ولما يعذبنا وهو الرحمن الرحيم، الغفور الرحيم، ألم يقل الله لمن أسرف علي نفسه لا تقنط من رحمة الله، (قل يا عبادى الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعا . إنه هو الغفور الرحيم).
ألم يقل الله تعالى عبدي لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، عبدي لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ولقيتني لا تشرك بي شيئا ادخلتك جنتي ولا أبالي.
ألم يقل الله تعالي: (ما يفعل الله بعذابكم أن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما).
فهيا يا من ظننتم أنكم ارتكبتم المعاصي وأنه ليس ثمة مغفرة، ليس ثمة توبة، اتتكم المسرة والبشارة، من عند الله وعضدها رسوله الكريم الذي قال إني والله لاستغفر الله في اليوم سبعين مرة، وفي رواية أخرى مائة مرة.
فبادروا بالتوبة والمواظبة علي الاستغفار، هي عبارة لا تجعلوها تفارق قلوبكم قبل ألسنتكم، اجعلوها صلاة قلوبكم، وتضرع سجودكم واجعلوها قبلتكم أنا توجهتم، استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
قالها الرجل في حجه وظلت الملائكة تكتب أجرها، واتي الرجل في العام التالي ليحج، ويكرر نفس العبارة، فقالت الملائكة يارب مازلنا نكتب أجرها من العام الماضي،قال الله اكتبوها كما هي.
أما تعلم أخي الكريم، أختي الكريمة، ابني، بنيتي، أن في الاستغفار مفاتيح كل الخيرات ومغاليق لكل الشرور.
أما تعلموا جميعا أن الاستغفار، بأي صيغة ارتضيتها وحفظتها مفاتيح للرزق.
ألم يقل الله تعالي: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدرارا . ويمددكم بأموال وبنين . ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).
فالصلاة استغفار، وبر الوالدين استغفار، والاخلاص في العمل استغفار، فالإحسان استغفار، الكلمة الطيبة استغفار، مراعاتك لأهل بيتك وزوجك وأبنائك استغفار.
طلب الرزق لا يأتي إلا بالاستغفار والمواظبة علي الاستغفار ورب أحد يقول دوما ما نستغفر ونصلي والأرزاق عسرة ضيقة.
أقول يا أخي أصبر واحتسب وزد في السؤال والطلب فربك يحب أن يسمعك، ويحب عبده اللحوح الذي يلح في الدعاء، أما تعلم أن الدعاء مخ العبادة ومخ العبادة وروحها الاستغفار.
فمن أراد أن يستجيب الله له في طلب الرزق فليستغفر ربه.
من اراد النجاح في عمله وأن يكتب له التوفيق فعليه بالمواظبة والمداومة علي الاستغفار، ومن أراد أن تقضي حوائجه فعليه بقضاء حوائج الناس، ففي ذلك استغفار، ومن أراد ان يوفق في زواجه، في خطبته، في بحث يقوم بكتابته، في رواية أدبية، في مقال يكتبه، في كل أمر من أمور حياته المعيشة فعليه بالاستغفار.
فقد تصاب الأرض بالجفاف والقحط والجدب ولا يزول ذلك إلا بالاستغفار، فينزل المطر وتنبت الأرض وتأتي بالخير، حقا سبحانه يرسل السماء علينا مدرارا.
كثيرا ما نسمع في أيامنا هذه الزرعة لم تؤتي أكلها اي لم تؤتي بخراجها، أو ثمارها قليلة، وقد يعدد علماء المناخ وعلماء النبات والجيولوجيا أسباب علمية رصينة ونحن نقدر جهودهم.
لكن ثم سبب آخر لا يخفي علي كل ذي بصيرة سبب تنتفي معه الأسباب والمسببات والعلة والمعلول، (اقصد إرجاع الأمر برمته الي الإرادة الإلهية، فعل الكينونة، الكاف والنون) ، هذا السبب كثرة ذنوب العباد، فلا يقع بلاء الا بذنب ولا يزول الا باستغفار.
وها هو الرجل الصالح لا ييأس من رحمة الله أخذ بكل الأسباب الطبية العلمية، زوجته لا تنجب، سنين طويلة.
وفجأة يذهب إلي الطبيب ليتابع هو وزوجته تلقي العلاج – الرجل أخذ بالاسباب – حتى لا يتهمنا أحد أننا ندعو الي مقاطعة العلم والاكتفاء بالاستغفار وما شابه ذلك.
ذهب للطبيب فوجد زوجته حامل، فرح الطبيب وفرح الرجل وزوجته وخر ساجدا لله.
فقال له الطبيب الحمدلله الطب تقدم وهناك علاجات جديدة استخدمناها معكما،ولله الحمد، أن وفقنا.
رد الرجل قائلا الحمد لله رب العالمين، لم اقنط يوما من رحمة الله، وضعت آية كريمة من سورة نوح نصب عيني وحفظتها جيدا وكنت ادعو بها في سجودي، ويمددكم بأموال وبنين.
نعم أكرر واقعنا المعيش جد مرير كثرت الفتن، وكثر الخبث، وضاقت الأرزاق، وكثر الفساد في البر والبحر بأيدينا بما كسبت أيدينا ، المنكر عيانا بيانا في وضح النهار والمناكير كثيرة حدث ولا حرج، كاسيات عاريات ملأن الشوارع ، غش في كل شيء حتي في الدراسة يبيعون ما يسمي بورق البرشام الورق الذي يغش منه الطلاب علي سلم المترو، أمام لجان الامتحانات في أخر يوم البنات والاولاد يرقصون ويتمايلون ويغنون، وحينما سألنا عن ذلك، هم فرحون بانتهاء الامتحانات، يا جماعة الخير التعبير عن الفرح لا يكون بالمزمار البلدي وهز الوسط في الشوارع، التعبير عن الفرحة بالسجود شكرا لله أن هداهم لهذا وما كانوا ليهتدوا لولا أن هداهم الله، والتبرأ من الحول والقوة الي حوله وقوته، والالتجاء إليه بالاستغفار أن يكلل جهودهم بالنجاح، وعندما تحدثنا، يا دكتور هذا كبت داخلي وضغط عام كامل، وهل تنفيث هذا الكبت بالرقص والزمر والطبل، التنفيث يكون بذكر الله تعالي ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
لا سبيل الي الخروج من هذه الأنفاق المظلمة الا بالعود الأحمد إلي الله تعالي، والله تعالي في انتظارنا، وانتظار استغفارنا وتوبتنا.
فهل توبنا إليه واستغفرناه.