بدأنا عاما هجريا جديدا أعاده الله علينا بالخير واليمن والبركات، وعلي مصرنا الحبيبة بالخير والنماء ، ونحن نستعيد ذكريات الهجرة المباركة يجب ألا نكتفي فقط بمجرد التهاني الشكلية أو اجترار الذكريات العطرة في تاريخ الإسلام فقط أو الحديث المكرر عن دروس الهجرة من مكة الي المدينة المنورة التي كانت انتقالات جديدا بالدعوة وبداية لبناء دولة الإسلام، وايذانا بانتصار دعوة التوحيد علي دعاوي الشرك، وسيادة نور الإيمان علي ظلام الجهل المطبق ،وأن كان هذا من الأهمية الا انه ليس كل ما يجب أن نستلهمه من دروس وعبر من حادث الهجرة النبوية الشريفة .
لكننا أمام دروس وخطط من نوع آخر يجب أن تكون لنا نبراسا نسير عليه في حياتنا العملية، فالهجرة تعلمنا كيف نخطط بدقة متناهية في حياتنا ثم نتوكل علي الله تعالي وأن نختار الرفيق المناسب والصديق المؤتمن.
وعلينا أن نتذكر جيدا ونحن نحتفل بالعام الهجري الجديد أن نبينا محمد صلي الله عليه وسلم عاد الي مكة بعد ثماني سنوات من الهجرة وقد غادرها لا يصحبه الا رجل واحد هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه وعاد إليها ومعه جيش قوامه عشرة آلاف رجل لكنه لم يفتحها بقوة السلاح بل بقوة الإيمان، بكلمة الهداية والمحبة والسلام وقد قال له أحد الصحابة اليوم يوم الملحمة فقال له النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه “بل يوم المرحمة “.
يجب أن نستلهم ما حوته الهجرة النبوية وما أعقبها من جهاد في سبيل نشر الدعوة وإقامة الدولة، ومن ينظر بعمق في خطوات الهجرة وترتيباتها الدقيقة يلاحظ انها لم تتم بصورة عفوية أو عشوائية أو مجرد رغبة في الخروج لكنها كانت نقلة استراتيجية مهمة جدا حرص فيها المعصوم صلي الله عليه وسلم علي حماية الدعوة بعد أن زاد عناد قريش وظلمها وقسوتها عليه وعلي أصحابه رضوان الله عليهم .
ونحن نحتفل بذكري الهجرة علينا أن نوقن تمام اليقين أننا أمة صاحبة رسالة وحضارة وعلينا أن نكون في مستوي هذه الحضارة وعلي قدر تلك الرسالة العظيمة، ولكن لا يتأتى ذلك الا بالعودة الي المنابع الصافية هي القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلي الله عليه وسلم صاحب هذه الذكري العطرة، بهذا فقط يكون احتفالنا بهذه الذكري ذا معني وجدوي للأمة الإسلامية.
إن حالة الضعف والهوان التي عليها أمتنا الآن لن تتغير ونستعيد قوتنا الا باستلهام دروس المؤاخاة التي حققت التمكين والعدل والقوة ووحدة الصف والثبات أمام الأعداء وأن المؤاخاة التي حققها الرسول صلي الله عليه وسلم في الهجرة ضربت مثالا رائعا في التاريخ الانساني المجيد فلم تكن شعارات زائفةبل تجسدت واقعا ملموسا قائما علي الإيمان بالله تعالي وفهما صحيحا لواقع الرسالة المحمدية واصرارا علي تطبيقها لبناء الدولة وحفظا لاستقرارها ،فالمجتمعات القوية هي التي تنهض بالعمل والإنتاج وتنهي عوامل الفرقة والخلاف وتجاهد لتحقيق عوامل التماسك الاجتماعي والمواطنة ونبذ الفرقة والعصبية والتميز والطائفية والقبلية.
**
وختاما
قال تعالي
” فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَاب”
آل عمران ١٩٥ .