بقلم: جهاد شوقي السيد
النبي عليه أفضل الصلاة والسلام رغم أنه نبي الله المختار والمؤيد من عند الله؛ إلا أنه لم يدخر وسعاً في اتخاذ القرارت الواقعية والأمور النظرية وجهد جهده لكي يضع الخطة، هاجر سرا واختار الرفيق واختار صاحب الخبرة في الطرق الصحراوية عبدالله بن أريقط وكان يهودياً، وأختار عامر بن فهيرة ليخفي أثار اقدامهم ، واختار أسماء بنت أبي بكر تخرج ليلا تضع الطعام في أماكن محددة ليخرج ابي بكر ويأتي بالطعام، وحتى اذا وجد عين تراقبه اخذ اتجاه عكس المدينة المنورة، وكان يهاجر ليلا ويختفي نهارا، واختار غار ثور وهو غار لم يطرقه أحد منذ قرون.
وبرغم من كل هذه الأسباب إلا أن مكة انقلبت عن بكره أبيها بحثا عن رسول الله، واخذ الكفار يبحثوا عنه في كل شبر كما جاء في القرءان ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ سورة الأنفال.
ومكر الكفار جميعا ليقتلوا رسول الله ويبحثوا عنه ليل نهار، وبرغم من أن رسول الله أخذ بالأسباب ولم يدخر جهدا، وهذا درس لكل من ييأس ويقول: يا رب لقد فعلت كل شيء، هنالك عندما تنقطع أسباب الواقع تأتى أسباب رب الأرباب، ماذا فعل الله؟، اختفى رسول الله في غار ثور وبرغم من هذا اتوه من فوقه، لو نظر أحدهم تحت اقدامه لوجد رسول الله، حتى أن أبا بكر همس للنبي بروحه إلى روح النبي لأنه لا يستطيع أن يكلمه لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، ولكن الله نصرهم وجعل كلمة الكفار السفلى وكلمة الله هي العليا إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، ما بالك يا ابا بكر برجلين اتخذه طريقهم في سبيل الله فكان الله ثالثهم.
كان يقين النبي بلا حدود وكان أمله بلا قيود وكان يعلم أن الله ناصره وكان هادئ متيقن واثق من الله عز وجل، وكان يهدهد صاحبه حتى يهدئ ولا يخاف عليه ثم نزلت السكينة على قلب أبي بكر، وذهب الكفار ولم ينالوا شيء.
وبرغم من هذا ليضرب الله لنا مثل اخر، جاءه الفارس سراقه بن مالك يقتص أثر النبي وأبي بكر حتى ينال الجائزة التي رصدتها قريش على من يجد النبي، وعندما وجد النبي وأبا بكر كاد أن يدركهما إلا أن النبي أشار بيده للفرس خر وغاصت اقدامه في الرمال مرتين وفي الثالثة أدرك سراقه الحقيقة وطلب الأمان من رسول الله، فأعطاه الأمان فنزلت من عيون سراقه دموع التوبة والايمان، فقد أدرك الإسلام وعلم أنه رسول الله ليس لأن فرسه قد غاصت في الرمال ولكن لأنه علم أن محمد بن عبد الله هو حقا رسوله المختار، وقال انا علي العهد يا رسول الله ، فوعده رسول الله بسواري كسرى وقال له أنى أنظر إليك يا سراقه وقد ارتديت سواري كسري، فنطلق سراقه بعدما كان يبحث عن النبي ، أصبح يضلل الكفار عن طريقه ويؤمن الطريق للنبي صلى الله عليه وسلم.
هكذا ندرك إننا عندما نفعل كل شيء، ونأخذ بالأسباب ونتوكل على الله هنالك تكون النتائج من رب الأرباب فلا يأس مع الله، وماذا بعد؟، دخل النبي إلى المدينة، والمدينة عرب، ومكة عرب ولكن هؤلاء آمنوا وهؤلاء لم يؤمنوا به، هؤلاء آذوه وهؤلاء احتضنوا الرسالة ونور النبوة ثم انطلقت تحمل النور النبوي إلى جميع أرجاء الأرض.
من هذه اللمحة البسيطة أدركنا أن النبي لم ييأس ابدا، ولم يكن لصاحبه أن ييأس أبدا ولم يشك أنه رسول الله حتى في أصعب الأوقات وهم مدركون من الكفار، فعلينا ان نتمسك بأخلاق رسول الله في أحلك الأوقات، وأن نأخذ بالأسباب ونترك النتائج لله عز وجل ونحن نعلم أنه قادر على نصرنا، ولا نيأس من روح الله ابدا لأنه لا ييأس من روح الله إلا الظالمين، هجرة سعيدة مباركة تجدد فينا روح الإسلام والسلام والأمل وأن يد الله هي العليا.