شاشة عقيدتي
بقلم سمير الجمل
كانت تسقي الجرحي من محاربي المسلمين في غزوة أحد.. وتضمد الجراح.. وتبث فيهم الحماس.. لكن ما لفت نظرها.. جعلها تستبدل قربة الماء بالسيف والقوس.. فقد رأت الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في ساحة المعركة.. يتربص به كفار قريش يريدون النيل منه.. تحيط به قلة من الصحابة رأت أن حياتها مرهونة بحياة سيد الخلق.. وأنها لن تبرح الميدان.. اما أن تنقذه أو تهلك دونه.
وكان المصطفي صلوات الله عليه وسلم.. رغم الشتات الذي وقع بالمسلمين عندما شغلتهم الغنائم عن حماية بقية الجيش.. وطرحوا تعليمات النبي صلي الله عليه وسلم جانبًا.. ولم يمتثلوا لها كما أمرهم.
فأمسكت المرأة الشجاعة بسيفها وقوسها وسهامها ترمي وتصد وترد وتدافع وتقاتل وهي تصيح..
ــ وامحمداه.. وامحمداه.. وامحمداه.
وكانت صرختها تهز ارجاء الميدان.. فإذا نظر الرسول صلي الله عليه وسلم إلي يمينه وجدها.. وإذا نظر شماله وجدها ومن أمامه ومن خلفه.. كأنها مجموعة نساء في امرأة واحدة.. وطالتها السيوف والسهام وسقطت أرضًا والدم ينزف من كتفها وهي تود لو قامت وتحاملت واستكملت ما بدأت.. وما ان استردت القليل من وعيها حتي كان سؤالها الأول.
ــ اخبروني عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهل نجاه الله من الأعداء!!
وطلبت المساعدة كي تذهب إليه وتطمئن بنفسها عليه فداك أنت بأبي وأمي يا حبيب الله.. ادهشهم أنها لم تسأل عن زوجها زيد وابنيها حبيب وعبدالله وهم يشاركون في المعركة. ولم يطمئن قلبها إلا عندما رأت الرسول صلي الله عليه وسلم أمامها يبتسم لها وكأنه يمنحها أعلي أوسمة البطولة.. فدعي لها بالشفاء وخير الجزاء.
ولما انتقل المصطفي صلي الله عليه وسلم إلي رحاب ربه وتولي أبوبكر أمر المسلمين.. ودقت ساعة الحرب علي مسيلمة الكذاب بأرض اليمامة.. اسرعت إلي الصديق طلبًا اللحاق بهذا الجيش دفاعًا عن دين الله.
يقول لها ابنها حبيب: دعيني اذهب بدلاً منك يا أماه وتبقين أنت؟.. وبعد الحاح من الابن ذهب ووقع في الأسر.. وأراد منه مسيلمة أن يرتد عن دين الإسلام لكنه أبي واستعصم بإسلامه.. ورفض أن يكفر بالله ونبيه فأخذ مسيلمه يقطع أعضاء جسده قطعة قطعة وهو يهتف بكل ما تبقي لديه من قوة.
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين.
ونال الشهادة وعرفت أمه بالخبر.. وقررت أن تخرج إلي القتال ومعها ابنها عبدالله.. وفي الميدان كانت شجاعتها مثار غضب مسيلمة ومن معه.. فسلط عليها من يترصدها.. ونجح أن يقطع ذراعها فنادت علي ابنها عبدالله:
ــ أنت الآن ذراعي فلا تترك عدو الله حتي تقتله ووعدها الابن بالثأر وتابع مسيلمة وفي ذات الوقت كان وحشي بن حرب يعد رمحه الذي قتل به حمزة بن عبدالمطلب لكي يصوبه إلي هذا الكافر مدعي النبوة.. وكان عبدالله بن زيد ابن نسيبة والتي يقال لها »أم عمارة« يسعي إلي نفس الشرف حتي قال وحشي في شركي قتلت خير الناس »يقصد حمزة« وفي إسلامي قتلت شر الناس »يقصد مسيلمة«.. ويبدو أن عبدالله أراد أن يجهز علي مسيلمة نهائيًا.. فلا تقوم له قائمة بعدها انتقامًا لاخيه وأمه.. وقد ذهب إليها يبشرها بالخبر.. ودم المشرك يتقاطر من سيفه وكان هو سيف أمه.. ورجعت نسيبة من اليمامة بذراع واحد وابن واحد وشرف عظيم ويكفي أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال عنها: »مقام نسيبة بنت كعب خير من فلان وفلان «.
إنها البطلة صانعة الأبطال.