بقلم: الشيخ الدكتور سليم علوان الحسيني
أمين عام دار الفتوى في أستراليا
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، والصلاة والسلام على إمام التقى والداعي إلى الهدى والرسول المجتبى سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد
ونحن نحتفل بذكرى الهجرة النبوية الشريفة التي تلقي بظلالها الوارفة، وهي تتألق بتباشير الفجر، وملامح الفرج التي تنبعث من تاريخ يفيض بالعزة ويشمخ بالجلال، نستقي منها الدروس والعبر فيما يرويه التاريخ لنا عن الدعوة المحمدية وصاحبها عليه أفضل الصلاة والتسليم، الذي أسس لمفاهيم ومعاني الرحمة والمودة وحب الخير للناس.
وهنا نستحضر من دروس الهجرة المباركة أحد معاني البناء المجتمعي الذي يتمثل بالعلاقات والقوانين والأنظمة التي تربط الفرد بمجتمعه بما يحوي من مكونات مرتبطة بالمكان أو الأفراد والجماعات، وما يترتب على تلك العلاقات من حقوق وواجبات، وهو ما يعبر عنه في عصرنا الحديث بمفهوم المواطنة. وهذا كله مستقى من الوارد عن الأنظمة التشريعية وطرق الممارسات اليومية لقوانين الشريعة الغراء ومؤيدة بأخلاق الإسلام ومثله.
فنجد مثلا تأكيد النصوص الشرعية على العمل بمقتضى حسن الخلق وأداء الحقوق مقرونة بالواجبات، وتعزيز مفهوم التعايش الحسن بين أفراد المجتمع الواحد ونبذ الخلاف والغلو والتعصب المذموم، ومعاملة المسلمين وغيرهم بالإحسان والرأفة والرحمة وتمني الخير للناس من غير اعتبار أو تمييز، بل الايقان بأن البشر إنما جاءوا من نفس واحدة، وقد حجب اختلافهم عن الأعيان في حقيقته، إذ بقي التفاضل والتمايز بما حوته القلوب من التقوى والإيمان.
اليوم وقد اتسعت جغرافية المكان والأوطان وتعددت الثقافات وتنوعت وتضاعف أعداد البشر، واعتياد الناس للترحال، وانخراطهم في مجتمعات ما ألفوها من قبل نجد أنفسنا في أمس الحاجة لتبني مفاهيم وتعاليم الدروس التي نضحت من معين الهجرة المباركة، حيث الصبر والتضحية والسير على أثر أهل الصفوة الأخيار إذ نشروا الدين وتعاليمه السمحاء مستعينين بالخلق الحسن والكلمة الطيبة وتجاوز الخلافات بما لا يعكر صفو الشريعة وتعاليمها، ورفع راية العلم الذي يهدم أركان الجهل ويفتك بنيان الغلو والتطرف والإرهاب المذموم، فما أحوجنا اليوم إلى تبني خطاب التناصح والتشاور والاحتكام إلى ما أقره ديننا الحنيف وتعاليمه السامية.
نسأل الله العزيز القدير أن يعيد علينا وعلى الأمة الإسلامية هذه الذكرى المباركة بالخير واليمن والبركات.