أمر الله عزَّ وجلَّ بالإحسان إلي الوالدين وأعلي من شأنهما وأمر بطاعتهما، قال تعالي: “واعبدوا االله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا” سورة النساء، وقال تعالي: “وقضي ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” سورة الإسراء.
وبر الوالدين يعدل الجهاد في سبيل الله، فقد جاء رجل إلي النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال له: يارسول الله، إإذن لي في الجهاد، فقال له النبي: “أحي والداك؟” قال: نعم. فقال له: “ففيهما فجاهد” من هنا يتضح بر الوالدين من أفضل الأعمال والقربات إلي الله لأنهما السبب في وجودنا، ولقدأمرنا النبي ببرهما في حياتهما وبعد مماتهما، ووضح لنا ذلك عندما جاء إليه رجل يسأله ويقول له: يا رسول الله، هل عليَّ من بر أبر به والداي بعد موتهما؟ قال: “نعم، إكرام صديقهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، والصلاة عليهما، أي الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة”.
ويجب علي الابن تجاه والديه ألا يرفع صوته فوق صوت والديه، وألا يجلس في مكان إلا إذا جلس والداه، وألا يمشي أمامهما، وأن ينفق من ماله عليهما حتي ولو كانا موسرين، لأن الولد من كسب أبيه، كما قال العلماء، ومن بر والديه يعطيه الله أبناء يبرّوه، ومن عقَّ والديه يعطيه الله أبناء يعقّوه، لأن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ولقد قال رسول الله: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلي يا رسول الله، فقال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، حتي قلنا: يا ليته سكت!
ونحن نحتفل بعيد الأم، فقد أوصانا النبي بالأم لأنها هي التي حملت في بطنها تسعة أشهر، وهي التي وضعت، وهي التي غذّته وهو مولود وأرضعته من ثدييها حولين كاملين، مصداقا لقول الله تعالي، في سورة البقرة: “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تُكلّف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده”.
والأم هي التي سهرت الليالي الطويلة من أجل تربية ابنها، تفرح لفرحه وتحزن لحزنه، وصدق النبي الكريم، فيما رواه عنه أبو هريرة- رضي الله عنه- عندما جاء إليه رجل يسأله: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، فقال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
فالأم لها منزلة عظيمة، ولقد أمر الله بصلة الوالدين وحتي ولو كانا علي غير ملة الإسلام، فذكرعلماء أسباب النزول في تفسير سورة لقمان “وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا” روايتين منهما أنها نزلت في شأن أم سيدنا سعد بن أبي وقاص، أن أمه عندما علمت بأنه قد آمن بدين سيدنا محمد، فقالت له: يا سعد، لن آكل ولن أشرب حتي تكفر بدين محمد، فذكر سيدنا سعد ذلك للنبي، فقال له: صل أمك.
وهناك رواية أخري واردة في سبب نزول هذه الآيه قيل أنها نزلت في شأن أم سيدتنا السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق، لأن سيدنا أبي بكر كان متزوجا في الجاهلية من امرأة مشركة وكانت تسمي “قتيلة” فقالت سيدتنا أسماء بنت سيدنا الصديق أبي بكر لسيدنا رسول الله: يا رسول الله، قدمت علي أمي وهي راغمة أو راغبة في أن أصلها، فقال لها: يا أسماء، صل أمك.
بل حذرنا النبي من عقوق الوالدين، وقال: “لا يدخل الجنة عاق” فرضا الوالدين من رضا الرب وسخطهما من سخط الرب، وعلينا أن نعلم أن دعاء الوالدين مستجاب، قال صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا ترد لهم دعوة، الإمام العادل، ودعوة المظلوم، ودعوة الوالد علي ولده” وليس هناك أدل علي ذلك من قصة عابد بني إسرائيل “جريج العابد” الذي دعت عليه أمه عندما كان يصلي ركعتين نافلة فاحتار، أيقوم بإتمام الصلاة، أم يلبي نداء أمه؟1 فاختار أن يكمل صلاته، فدعت عليه وقالت: اللهم لا تُمِتْه حتي يري وجوه المومسات! فاستجاب الله دعاء أمه، فاتُّهم زورا وبهتانا بأنه قد فعل الفاحشة، وحملت منه المرأة من السفاح! ولكن الله وقف بجانبه وبرَّأه وشهد له طفل السفاح، وبرَّأه من الزور والبهتان الذي لحق بالعابد.