السفيرة مشيرة خطاب: نُقلة نوعية لجعل الحقوق واقعا ملموسا
نقيب المحامين: ترسيخ للضمانات الدستورية
مصطفى ياسين
شهدت مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد تحت قبَّة النواب، تفاعلًا واسعًا، وتنوَّعت حوله الآراء والرؤى، بين مؤيّدٍ يثني على ما فيه من حمايةٍ لحقوق الأفراد وكرامتهم، ومعارضٍ يرى فيه ملامح تحتاج إلى مراجعةٍ وتعديلٍ، وهذا التنوّع في وجهات النظر يعبّر عن حيوية مجتمعنا، وعن تلك الروح البنّاءة التي تسود حوارنا المجتمعي، فاختلاف الرأي في التشريع ليس عيبًا، بل هو إثراء للديمقراطية.
رحّب أعضاء المجلس بكل الملاحظات والأفكار والرؤى التي أبداها المواطنون والجهات كافة حول مشروع القانون، وعكفت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية على دراستها والرد عليها، بما يكفل احترام أحكام الدستور وعدم الخروج عليه، وتحقيق المصلحة العليا للوطن.
وطمْأَن مجلس النوابِ الجميعَ بأنه لن يدّخر جهدًا في دراسة هذا المشروع بكلّ دِقَّةٍ وتأنٍّ، لضمان خروجه بصياغةٍ تشريعيةٍ رصينةٍ ودقيقةٍ؛ تتفق مع المعايير الدستورية والتشريعية الوطنية، كما تتماشى مع التزامات مصر الدولية، وتواكب التطوّرات المجتمعية الآنيّة، مع استمرار حرص المجلس على تلقّي آراء الجميع أثناء مناقشة مشروع القانون.
“وثيقة قانونية”
وصف المستشار د. حنفي جبالي- رئيس مجلس النواب- المشروع بقوله: يعدُّ بحق “وثيقةً قانونيةً” تستلهم روح العصر، ومبادئ الدستور الذي يمثّل تعبيرًا عن إرادة شعب مصر العظيم، وترتكز على الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ كما تعكس توجهاتنا جميعًا في بناء مجتمعٍ يُعلي من شأن العدالة ويؤمن بحقوق الإنسان والمواطن.
قال: نؤكّد للجميع، من مؤيّدين ومعارضين لمشروع القانون، أننا قد طوينا مرحلةً طويلةً من النقاش، وما زال أمامنا مراحل عديدة قادمة من المداولات والمناقشات، ونحن منفتحون للحوار والمقترحات، مؤكّدين على أن اختلاف الرأي هو مصدر قوّتنا، وأن الحوار البنّاء هو الطريق الأمثل للوصول إلى التشريع السليم.
كما نؤكّد على أن مداولات مجلس النواب واختياراته تقوم على موازنةٍ دقيقةٍ بين مختلف البدائل المتاحة، ولا يعني اختيارنا لبديلٍ دون آخر رفضًا للرأي المخالف أو استصغارًا لقيمته، بل هو اختيار مبني على احترام أحكام الدستور ووفق دراساتٍ واعيةٍ ومراعاةٍ للمسؤوليات الجسيمة التي نتحملها جميعًا تجاه وطننا وشعبنا.
أضاف: إن مجلسكم الموقر، ممثِّل شعب مصر العظيم، وكما عهد به دائمًا، سوف يتيح لحضراتكم الفرصة كاملةً للتعبير عن آرائكم ووجهات نظركم بكل حريةٍ؛ فغاية مجلسنا الأساسية هي المضي قدمًا في تحقيق بنود أجندته التشريعية، والعمل على إصلاح المنظومة التشريعية الوطنية بما يضمن استقرارًا للمجتمع المصري.
اليوم نسطِّر صفحةً جديدةً من صفحات التعاون المشترك بيننا وبين الحكومة، عازمين جميعًا على الوصول إلى صياغةٍ منضبطةٍ لأحكام مشروع قانون الإجراءات الجنائية تليق بمصر وشعبها العظيم.
وأؤكد أن مجلس النواب هو الحصن الذي يذود عن حقوق الشعب، بصياغة تشريعاتٍ تعزِّز من العدالة وتكفل الحقوق والحريات، ودورنا اليوم، بل كل يومٍ، هو العمل بجد وإخلاصٍ لتحقيق هذه الغايات.
ونعلنها بكل ثباتٍ؛ نحن ملتزمون على الدوام بحماية حقوق المواطنين والمصلحة العليا للوطن. وعلى الجميع أن يعلم أن من يتهيّب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحُفَر.
انتظرناه طويلا
وأشادت السفيرة مشيرة خطاب- رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان- بقرار إعداد المشروع بدلا من تعديل القانون الحالي، ووجهت الشكر والتقدير لمجلس النواب على الجهود المضنية التي بذلها في إعداد مشروع القانون الذي تم انتظاره طويلا، مؤكدة أنه يحقق مقاربة حقوقية رصينة تتفق والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، واصفة مشروع القانون بأنه يمثّل نُقلة نوعية نحو جعل حقوق الإنسان واقعا ملموسا لكل مصري ومصرية دون تمييز.
وثمّنت مشاركة المجلس القومي في أعمال اللجنة الفرعية المكلّفة بإعداد المشروع، والجهد التشاركي في إعداد هذا المشروع بقانون، مشيدة بقرار إعداد المشروع بدلا من تعديل القانون الحالي، بما يواكب دستور ٢٠١٤.
كما ثمّنت النص بوضوح في مشروع القانون على حق المجلس القومي لحقوق الإنسان في الانضمام للمدّعي بالحق المدني وفقا لأحكام الدستور.
الإصلاح التشريعي
وأكد عبدالحليم علام- نقيب المحامين- حرص مشروع القانون على ترسيخ الضمانات الدستورية الخاصة بحماية حق الدفاع، والحقوق والحريات العامة. وتخفيض مدد الحبس الاحتياطي، وتنظيم الإعلان الإلكتروني، بما يتفق واحكام الدستور والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
وأشاد نقيب المحامين باستجابة اللجنة المشتركة لمقترحات نقابة المحامين، مؤكدا أن التاريخ سيجل الوقفة التاريخية لرئيس مجلس النواب وأعضائه في تمسّكهم بمبادئ الدستور.
أبعاد متعددة
وأوضح المستشار محمد عبدالعليم- المستشار القانونى لرئيس مجلس النواب- أن مشروع القانون له أكثر من بُعد حقوقى، وسياسى، وقانونى وهذا الجانب متفرع لتعدد الأطراف من متقاضين وحقوق دفاع ونيابة ومحاكم على اختلاف درجاتها وتطبيقات قضائية مستقرة، وطبعًا البُعد أمنى، وبالتالى فإن نجاح اللجنة الفرعية فى مهمتها كان موقوف على تحقيق التوازن بين كل هذه الأبعاد، وبناء عليه قررت اللجنة وضع ضوابط ومحددات تطبّق على جميع الموضوعات وهى الالتزام بالمحدّدات الدستورية وما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقها رئيس الجمهورية، وتلافى التوصيات والملاحظات الصادرة عن المنظمات الدولية الرسمية المعنية بمجال حقوق الانسان.
وبناءً عليه نجحت اللجنة الفرعية فى إعداد مسودة مشروع للقانون تحقق التوازن بين هذه الأبعاد وتأتى تنفيذاً للالتزامات الدستورية، وتلافى عدد من التوصيات السلبية التى تضمنتها تقارير بعض المنظّمات الدولية الرسمية المعنية بحقوق الإنسان.
أضاف: قد يظن البعض أن هذا المشروع يهتم بأطراف الدعوى الجنائية والجانب الحقوقى، لكن هذا المشروع عنى بمشكلات المواطنين العاديين، فهل نعلم ان مشروع القانون تناول فى نصوص محكمة حلول جذرية لإشكاليات يعانى منها الآف المواطنين فى حياتهم اليومية وهى مشكلة تشابه الأسماء باشتراط اثبات بيانات الرقم القومى فى كل مراحل الدعوى بدءًا من إعداد المحاضر والتحقيق والمحاكمة وعند صدور الحكم، ولو أن مشروع القانون لم يصدر إلا بهذه الميزة لرجحت كفّته.
كما حظر القبض او تفتيش الأفراد أو دخول المنازل أو تفتيشها أو مراقبتها أو التنصّت عليها إلاّ بأمر قضائي مسبَّب في غير حالات الخطر أو الاستغاثة- وذلك تنفيذا للالتزام الدستوري بالمادة 58 من الدستور.
وكذا ضمان عدم احتجاز أي شخص دون المبادرة فورا إلى توجيه اتهامات جنائية إليه، فقد أوجبت المادة (40) من مشروع القانون على مأمور الضبط القضائي أن يبلّغ فوراً المتّهم المضبوط بسبب تقييد حريته، وبالتّهم المنسوبة إليه، وأن يسمع أقواله، وأن يحيطه بحقوقه كتابة، وأن يمكِّنه من الاتصال بذويه وبمحاميه.
وحقوق الدفاع مبدأ لا محاكمة عادلة دون حضور محام فى جميع مراحل الاستجواب والمواجهة. والحق فى الصمت.
فمشروع القانون يقرّ حماية للشهود والمبلّغين والمجني عليهم تضمن عدم ذكر أسمائهم بما يبعث برسالة طمأنينة للمواطن.
والانتقاد الموجَّه للمشروع بأنه يفرض قيوداً صارمة على علانية وتغطية المحاكمات وبثّ جلسات المحاكمة، والحقيقة أن هذا الانتقاد يتعارض بالكلية مع المادة (187) من الدستور، وخلط بين علانية الجلسات المكفول دستوريًا وبين البثّ ونقل وقائع الجلسات، والمستغرب أن هذه الادعاءات تتجاهل تشريعات الدول المقارنة التي حظرت من الأساس نقل وقائع الجلسات وبثّها.
ملامح المشروع
أهم ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد
يمثِّل قانونا متكاملا للإجراءات الجنائية يحقق فلسفة جديدة تتّسق مع دستور ٢٠١٤، والإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ويتلافى العديد من الملاحظات والتوصيات الصادرة عن بعض الأجهزة التابعة للمنظمات الدولية الرسمية، بما يتواكب مع التطوّر التكنولوجي، وذلك كُله بما يحقق المصلحة العليا للدولة في مجال حقوق الإنسان على الصعيدين الداخلي والدولي، ويحقق الاستقرار المنشود للقواعد الإجرائية، حيث تضمن مزيداً من ضمانات الحقوق والحريات للمواطن المصري بما يليق بالجمهورية الجديدة على النحو الوارد بتقرير اللجنة المشتركة بشأنه.
النص صراحة على أن للمنازل حرمة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصُّت عليها، إلا بأمر قضائي مسبّب يحدد المكان والتوقيت والغرض منه. إضافة قيود على اختصاصات مأموري الضبط القضائي في أحوال القبض وتفتيش المواطنين ودخول المنازل وتفتيشها. التأكيد على اختصاص النيابة العامة الأصيل في تحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، إعمالاً للمادة (١٨٩) من الدستور. الحفاظ على الطبيعة الاحترازية الوقائية للحبس الاحتياطي وغايته سلامة التحقيقات، من خلال تخفيض مدِّه ووضع حدّ أقصى له، واشتراط أن يكون الأمر بالحبس الاحتياطي مسبَّبَاً. إقرار تعويض معنوي وأدبي عن الحبس الاحتياطي الخاطئ بإلزام النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطياً وكل أمر صادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة الحكومة. وضع تنظيم متكامل ومنضبط لحالات التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي. وضع تنظيم متكامل لنظم الإعلان بما يواكب تطور الدولة نحو التحول الرقمي بجانب الإعلان التقليدي، وإنشاء مركز للإعلانات الهاتفية بدائرة كل محكمة جزئية يتبع وزارة العدل، ومتصل بقطاع الأحوال المدنية لإرسال الإعلانات الهاتفية والإلكترونية، مما يحقق طفرة في نظام الإعلان القضائي في مصر. مجابهة ظاهرة تشابه الأسماء من خلال إلزام مأموري الضبط القضائي بإثبات بيانات الرقم القومي للمتهم فور تحديد هويته، وإلزام النيابة العامة عند حضور المتهم لأول مرة في التحقيق أن يدوّن جميع البيانات الخاصة بإثبات شخصيته. تقييد سُلطة أوامر المنع من السفر والإدراج على قوائم ترقّب الوصول، ليكون من اختصاص النائب العام أو من يفوّضه، أو قاضي التحقيق المختص، واشترط أن يصدر أمر المنع مسبَّباً ولمدة محددة، وتم تنظيم آلية التظلّم من هذه الأوامر أمام المحكمة المختصة، وحدد مدة للفصل في هذا التظلم بما لا تجاوز 15 يوماً من تاريخ التقرير به. تنظيم حالات وإجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد وفقاً للتقنيات الحديثة بما يضمن تبسيط إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة. توفير حماية قانونية فعالة للشهود والمبلّغين والخبراء والمجني عليهم والمتهمين. إضفاء مزيد من الضمانات لحق الدفاع من خلال إقرار مبدأ لا محاكمة من غير محام بما يتيح أن يكون لكل متهم محام حاضر معه وفي حالة عدم وجود محام ألزم مشروع القانون سُلطة التحقيق أو المحاكمة، بأن تندب محامياً للدفاع عن المتّهم في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة. تفعيل حماية لحقوق المرأة والطفل وتوفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة والمسنين. إلغاء الباب الخاص بالإكراه البدني واستبدال الإلزام بالعمل للمنفعة العامة بدلاً عنه. تنظيم أحكام التعاون القضائي في المسائل الجنائية بين مصر وغيرها من الدول. إعــادة تنظيـم المعارضة فـي الأحكـام الغيابيــة بشكل يحد منها تخفيفاً للعبء عن كاهل المحاكم وبمـا يحقـق التـوازن بيـن الحـق في التقاضـي وضمانـات حــق الدفــاع وبين تحقيق العدالة الناجزة.