شاهَدَ العالَمُ كُلُّه قُدْرَةَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وتسخيره لجُنْدِهِ فيما حدث مؤخَّراً من حرائق مُدمِّرة أكَلَت الأخضرَ واليابسَ في ولاية لوس أنجلوس الأمريكية، ومازالت مُسْتَعِرَةً منذ أيام ولمَّا تُفْلِح محاولات إطفائها حتّى الآن، رغم امتلاك ناصيةِ العِلْم والتكنولوجيا الحديثة والقوَّة الغاشِمة المعروفة عالميًا، والتي سخَّرتها القيادات الظالِمة في تقتيل البَشَرِ وإفناء الحياةِ تمامًا على أرض قطاع غزَّة المُحاصَرَة والمعزولة عن أيّ من مظاهر الحياة الإنسانية!
لا أتحدثُ هنا بـ”شَمَاتَةٍ” كما يفعل البعض، فهذا ليس من خُلُقِ الإسلام ولا أيّ دين أو إنسانية، فضلاً عن أن هذه الحرائق هي أحدُ أنواع الكوارث الطبيعية، كما يقول ويوضّح ذلك د. عباس شراقِي- الخبير والمتخصّص في هذا الشأن بجامعة القاهرة- فى كثير من المناطق الأمريكية خاصّة غَرْب الولايات فى كاليفورنيا ومنها لوس أنجلوس مثل الزلازل، الفيضانات، الانهيارات الطميِيَّة، البراكين، والعواصف والأعاصير، وتَحْدُث غالبًا أثناء فترات الجفاف، وهى متكرِّرة حيث يصل متوسّط عدد الحرائق إلى أكثر من 8 آلاف حريق سنويًا، تحرق حوالى مليون فدان، وأسباب الحرائق معظمها طبيعى عن طريق البَرْقِ، وأحيانا النشاط البشري مثل إلقاء سجائر غير منطفِئَة، أو احتراق أجهزة كهرُبائية، أو ارتفاع درجة حرارة السيّارات، أو من شبكة نقل وتوزيع الكهرباء، أو حفلات شَوْيِ اللحوم فى المناطق الشجريّة، أو الحرق العَمْد.
وقد أدّت التقلُّبَات المُناخية فى السنوات الأخيرة إلى ارتفاع الحرارة نسبيًا، وفُقدان الغطاء الثلجي خلال فصل الشتاء مما يتسبّب في انخفاض الأمطار، وانخفاض الرطوبة عن معدّلاتها، وبالتالى زيادة جاف الأشجار، وزيادة وتيرة الحرائق ومخاطرها، خاصة فى وجود رياح قويّة.
ومنذ أوائل الألفية الجديدة، أصبحت حرائق الغابات في كاليفورنيا أكثر خطورة بسبب تراكُم الأخشاب في الغابات، وزيادة عدد السكّان. كما ساعد على سُرعة انتشار حرائق لوس أنجلوس الحالية انخفاض الأمطار منذ أكتوبر الماضى، وقوّة الرياح التى تُسَمَّى “سانتا آنا” Santa Ana ، وأحيانا تُسمَّى “رياح الشيطان أو الرياح الحمراء” لما تسبّبه من انتشار الحرائق بسُرعة كبيرة، كما أنها تساعد على زيادة جفاف التُربة والأشجار وانخفاض رطوبة الهواء الذى يُعتبر مُفتاح اندلاع الحريق الأولى حيث يكون الهواءُ جافًّا في البداية بسبب المواقع الجافّة التي نشأ منها، ويزداد جفافًا فى اتجاهه نحو الجبال، وتراوحت سرعة رياح “سانتا آنا” القوية بين 90 – 160 كم/ ساعة خلال الأيام الماضية والتى هبَّت من الشرق إلى الغرب، أي من مناطق الغابات إلى المناطق السكنيّة، وانتشرت الحرائق فى أماكن متفرّقة بإجمالى مساحة تزيد عن 35 ألف فدان، واحتراق 12 ألف منزل، وإخلاء أكثر من 150 ألف مواطِن، وخسائر بعشرات المليارات من الدولارات.
كلّ هذا كلام عِلْمِي ومنطقي جميل، لكن ينبغي ألا ننسى كذلك قُدْرَةَ الخالِق سبحانه وتعالى الذي يُحذِّرُنا من الظُلم وعاقبته السيّئة، والكُفْرِ بِنَعْمَائِه- أيًّا كان دينُنَا- فجميع الأديان السماويّة بل حتّى الفلْسفات الإنسانية تتّفق مع هذه القيم والأخلاق الروحيّة والإنسانية، فيقول تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)} سورة يونس.
قلوبُنا مع الضحايا والمصابين والمُضارِّين من تلك الكوارث الطبيعية وغيرها، لكن يجب أن يتذكّر أولئك وقادَتُهم أن هناك شعوباً وأُمَمًا أمثالَهم، ظُلِمُوا من أفعالِهم وقراراتِهم، وآن لهم أن يُراجعوا أنفسَهُم، ويثوبوا إلى رُشْدِهم، ويعودوا لدِيِنِ المحبَّة والسلام، وألا يتجبَّروا ويتعالَوا على البشريّة، فـ”قُدْرَةُ الله فوق الجميع“.
وأتمنَّى ألا تكون نَفَقَاتُ إعادةِ إعمار تلك الكوارث الطبيعية، على نَفَقَة أثرياء العرب والمسلمين، فهؤلاء أمامَهم مَهَامٌ أُخرى تنتظرهم في معظَم دُوَلِهْم المُدَمَّرَة بأيدي أعداءِ الإنسانيّة، أما إعمار أمريكا فأثْرِيَاؤها أوْلَى بها.